العربية تعيد إنتاج الطاغية عفاش: بلغة كوزموبوليتانية مشوّهة

تقارير - منذ 4 أيام

عين الجنوب | تقرير - خاص


في لحظة سياسية مشبوهة، تطل علينا قناة "العربية" بما وصفته بفيلم وثائقي عن علي عبدالله صالح، في محاولة مكشوفة لتبييض صفحة رجل تلطخت يداه بالدم، وخنق حلم شعب، ومزّق وطناً كاملاً. الفيلم ليس وثيقة إعلامية، بل وثيقة خيانة، تسعى إلى ترميم صورة رجل قاد كل مراحل الفشل والانهيار والخراب في اليمن، وفي القلب منه الجنوب.

علي عبدالله صالح لم يكن زعيماً، بل كان مقاول فتن، يتنقل بين تحالفات الخراب، ويصنع الأزمات ثم يتاجر بضحاياها. تحالف مع الإخوان المسلمين في بداية صعوده، وتقاسم معهم السلطة والنفوذ لعقود، ثم حين شعر أن سلطته تهتز، فتح أبواب صنعاء للحوثيين، وسلّمهم الدولة بكل مفاصلها، ومكّنهم من السلاح والمال والقرار، ليشعل حرباً أهلية لم تنتهِ حتى اليوم.

تحالف صالح مع الحوثيين لم يكن مجرد خطأ سياسي، بل كان عملاً تخريبياً مبيتاً، أطلق شرارة الانقلاب، ودفع بالبلاد إلى أسوأ منعطف في تاريخها الحديث. فعل ذلك عن سابق إصرار، ليبقى في المشهد ولو على جثث الناس. فتح مخازن السلاح، وأطلق إعلامه، ورحّب بالكهنوت القادم من الكهوف، لأنه لم يعرف يوماً معنى الوطن، ولا رأى في الشعب أكثر من أداة للحرب والابتزاز.

في الجنوب، يعرف الناس جيداً من هو عفاش. اجتاح الجنوب في 1994 بالدبابات والنار، ودمّر دولة، ومارس بحق شعبها الإقصاء والتهميش والنهب. حوّل عدن من مدينة مدنية عالمية إلى قرية منهوبة، زرع فيها الفقر والعشوائيات، واستباح أرضها وثرواتها، وأقصى نخبها من كل مؤسسة وقرار. لم يكن يمر عام دون دم، أو دون اعتقال، أو دون قرار يمزق الجنوب أكثر.

اليوم، يأتي من يريد طمس هذه الذاكرة، وتحويل السفاح إلى رجل دولة، والديكتاتور إلى زعيم ملهم. وتلعب قناة "العربية" هذا الدور، في إخراج حديث، وموسيقى حزينة، وصوت رخيم، لكن المضمون قذر، والهدف واضح. يريدون أن ننسى، أن نغفر، أن نمحو أرشيفاً من القتل والتدمير، لكنهم لا يعرفون أن الجنوب لا ينسى.

الذاكرة الجنوبية ليست ورقة تُحرَق، بل ذاكرة محفورة في الجدران والقبور والساحات. من يافع إلى ردفان، من الضالع إلى شبوة، من عدن إلى أبين، كل بيت جنوبي يحمل شهادة على ما فعله صالح، وكل شارع يحمل علامة من جراحه. لا شيء يمكنه أن يلمّع صورة من سلّم صنعاء للحوثيين، ولا أن يبرّر خيانة من دعم انقلاباً دمّر البلاد.

رسالتنا واضحة. عفاش لم يكن زعيماً بل كان رأس مشروع دموي. وكان الجنوب بالنسبة له غنيمة حرب، لا شريك وطن. تحالف مع الإخوان فقتل، وتحالف مع الحوثيين فسلّم، وتحالف مع الخارج فباع، وفي كل مرة كان خنجراً في خاصرة الجنوب. واليوم، من يحاول تلميعه، هو شريكه في الخيانة، وعدوه الفعلي هو ذاكرة هذا الشعب.

لا ننسى من اجتاحنا، ولا نصفّق لمن قتلنا، ولا نقدّس من نهب أرضنا وأهان كرامتنا. الجنوب اليوم حر، واعٍ، يقظ، ولن يسمح لقنوات الزيف أن تعيد تدوير صورة القاتل. فليبقَ عفاش في مزبلته، ولتبقَ عدن حرة، ولتظل ذاكرة الجنوب سداً منيعاً أمام كل حملات التجميل والتمويه.

فيديو