العدالة الغائبة في اليمنية: من أمن الدولة إلى أدوات القهر... شهادات من سجون مأرب تُفضح منظومة القمع الحزبي والطائفي"

تقارير - منذ 1 يوم

عين الجنوب| تقرير - خاص

في سياقٍ بالغ القسوة في تاريخ اليمنية الحديث، يكشف الواقع عن تكرار ممنهج لنهج النخب اليمنية في قهر الإنسان باسم الدولة، وتوظيف المؤسسات الأمنية لا لحماية المواطن، بل لإذلاله وسحق كرامته. تتجلى هذه الصورة اليوم في تقارير مروعة صادرة من فرع الأمن السياسي في مأرب، الذي تحوّل – كما تُظهر الشهادات – من جهاز استخبارات يُفترض أن يعمل ضمن حدود القانون إلى أداة تعذيب ممنهج، ووسيلة للابتزاز والإخضاع.

إن ما أورده الناشط مانع سليمان من شهادات حية حول أساليب الاعتقال والتعذيب في سجون مأرب ليس مجرد حالة معزولة، بل هو امتداد تاريخي لسلوك السلطة في اليمن، منذ عهد نظام علي عبدالله صالح، الذي جعل من جهاز الأمن السياسي ذراعًا للقمع وتصفية الخصوم وتثبيت النفوذ، خاصةً موجات قمع الحراك الجنوبي السلمي منذ 2007. ومن بعده، اتبع حزب "الإصلاح" نهجًا لا يقل فتكًا، فقام بإحلال المشروع الحزبي محل الدولة، وجنّد العناصر الأمنية والجماعات الارهابية لصالح أجندته الأيديولوجية والسياسية، وأسس شبكات اعتقال وتحقيق خارج سلطة القانون.

واليوم، تتصدر جماعة الحوثي المشهد بأساليب قمعية تفوق ما سبقها، مستخدمة الأجهزة الأمنية ذاتها التي كانت أداة نظام صالح، ولكن مع تطرف عقائدي طائفي اكثر خطورة يغلف الانتهاك بلغة دينية، ويشرعن القتل والتنكيل تحت شعارات “المقاومة” و”الولاية”، كما هو حاصل في معتقلات صعدة وإب وحجة، حيث تُمارس الانتهاكات ذاتها من اختطاف وتعذيب واغتصاب وحرمان من المحاكمة.

هذا النمط من التوظيف القمعي للأمن ليس من طبيعة الدولة، بل من طبع الأنظمة الفاشلة أو الجماعات التي تستبدل مؤسسات الدولة بمنظومة الطاعة والسيطرة. لا فرق كبير بين حبس المعتقل في زنزانة مأرب وتعذيبه بالكهرباء، وبين ملاحقة نشطاء الحراك الجنوبي واغتيال قياداته في عهد صالح، أو سجن الصحفيين والنساء في صنعاء اليوم، كلها جرائم في سجل النخب اليمنية، منظومة واحدة تتجدد بأسماء مختلفة: مرة باسم الجمهورية في عهد عفاش، ومرة باسم الدين والطائفية الدخيلة، ومرة باسم الثورة الاخوانية.

إن استمرار هذه الانتهاكات الممنهجة دون محاسبة يشير إلى غياب مفهوم الدولة الحقيقي، حيث العدالة هي حجر الأساس، وحيث تُبنى المؤسسات على القانون لا على الأيديولوجيات فوق الوطنية. لن يتحقق الاستقرار في اليمنية ما لم تُقطع يد الجماعات – حزبية كانت أو طائفية – عن أجهزة الأمن والقضاء، وما لم تُحاكم رموز التعذيب، ويُعاد الاعتبار للمواطن كفرد له كرامة وحقوق لا تُنتزع حتى في حال الاتهام أو الاشتباه.

تجاهل هذه الجرائم وتكرارها في مناطق مختلفة في اليمنية – من مأرب إلى إب – يثبت أن معركة الشعب اليمني الحقيقية ليست فقط سياسية، بل أخلاقية وقانونية. ولا سبيل لقيام دولة حديثة دون بناء مؤسسات أمنية وقضائية مستقلة، خاضعة لرقابة القضاء والبرلمان، ومبنية على احترام حقوق الإنسان وكرامة الإنسان كمبدأ لا يُساوم عليه.

من هذا المنطلق، فإن المطالبة بلجنة تحقيق دولية، كما دعا الناشط مانع سليمان، ليست فقط ضرورة لإنصاف الضحايا، بل خطوة أولى نحو فضح منظومة الظلم والقهر وتفكيكها. ومن الضروري أن تتجاوب القوى الإقليمية والدولية مع هذه الدعوة، لأن غضّ الطرف عن انتهاكات من هذا النوع هو تسهيل لاستمرارها.

لقد دلّتنا تجارب الدول التي خرجت من انظمة الظلم والقهر والاستبداد أن لا استقرار بلا عدالة، ولا أمن بلا مؤسسات وطنية خالية من الهيمنة الحزبية أو الطائفية. اليمنية بحاجة إلى دولة، لا إلى مليشيات أو أحزاب تتدثر برداء الحزبية والطائفية لتنهب وتعذب وتبني سجونًا لقهر الناس. وعلى الرغم أن مثل هذه النظم الوقت كفيل بإنهيارها، والتاريخ خير معلم، لكن هذا التقرير، بما يحمله من شواهد دامغة للظلم والقهر، يجب أن يكون ناقوس خطر لكل من لا يزال يراهن على أن "الوضع سيتحسن" دون محاسبة أو تغيير للنظام الحزبي والطائفي في اليمنية.

فيديو