الرابع عشر من أكتوبر.. انتصار شعب وهزيمة أكبر إمبراطورية في العالم

دراسات وتحليلات - منذ 5 ساعات

عدن، خاص | عين الجنوب

في العام 1839م، تذرعت بريطانيا لاحتلال عدن والجنوب بغرق السفينة البريطانية داريا دولت في سواحل عدن بقيادة الكابتن هنس، حيث استولت على الجنوب.
دام هذا الاحتلال 129 عامًا، فقد تمكن هذا المستعمر الغاشم من إبقاء شعب الجنوب في الظل طيلة مدة بقائه تحت نير الاستعمار، فقد ساد الجهل والتخلف والتبعية، وقُسِّم الجنوب إلى سلطنات ومشيخات تتصارع فيما بينها ليبقى المستعمر في مأمن لتنفيذ سياسته الاستعمارية القائمة على دعوات التفريق والتمزق بانتهاج سياسة "فرّق تسد".

فقد سادت صراعات في الجنوب بين السلطنات والعشائر والمشيخات الجنوبية، تغذيها قوى الاحتلال ليستمر الاستعمار الذي انتهج هذه السياسة الخبيثة جاثمًا على صدر الشعب في الجنوب، وليبقى البلد متخلفًا، والشعب محرومًا من أبسط الحقوق وأدنى الخدمات، ليعيش في ظلمةٍ حالكة لا يرى النور.

هذا الواقع الأليم الذي ذاق شعب الجنوب ويلاته، ولأن شعب الجنوب يأبى الظلم، وهو شعبٌ تواقٌ للحرية، الأمر الذي لم يَرُق له هذه السياسة الاستعمارية التي جعلت الجنوب كياناتٍ متصارعة تُسيَّر من قبل المستعمر وزبانيته، فانتفض الشعب بكل فئاته، وانطلقت الشرارة الأولى من جبال ردفان الشامخة، وسقط على إثرها أول شهيدٍ في معركة الكفاح المسلح، وهو الشهيد البطل غالب بن راجح لبورة.

ثم توسعت دائرة النضال الجنوبي في كل المدن والقرى والوهاد، في المدينة والريف على حدٍّ سواء، ففي عدن اشتعلت المظاهرات المنددة بالاحتلال البريطاني والمطالبة برحيل المستعمر البغيض من الجنوب، حيث واجه الثوار الجنوبيون بطش المستعمر الذي امتلك أسلحةً ثقيلة، من مدافع ودبابات، في وقتٍ كان شعب الجنوب الأعزل لا يمتلك على أكثر الأحوال سوى بندقية آلية.

لكن هذه المعادلة غير المتكافئة لم تكسر إرادة شعب الجنوب، ليستمر النضال دون هوادة، متحديًا كل صنوف الظلم والتخلف والجبروت، فقد شارك كل أبناء الجنوب، رجالًا ونساءً، في مواجهة المستعمر وإجباره على الرحيل.

وخلال أربع سنوات من المقاومة الشرسة والبطولات الفريدة من قبل شعب الجنوب، ذاق المستعمر مغبة أفعاله، فقد تكبّد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات أمام شعبٍ يمتلك إرادةً فولاذيةً وشجاعةً أسطورية، لتكون النتيجة الحتمية أن على المستعمر أن يأخذ عصاه ويرحل.

لتبدأ مسيرة رحيل المستعمر التي تكللت بخروج آخر جندي بريطاني من عدن في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، بانتصار شعب الجنوب على أكبر إمبراطورية في العالم آنذاك، بقيادة الجبهة القومية التي استلمت مقاليد الحكم في الجنوب في تلك الفترة.

وتأتي احتفالات الذكرى الثانية والستين للرابع عشر من أكتوبر، والذكرى الثامنة والخمسين للثلاثين من نوفمبر يوم الجلاء البريطاني من أرض الجنوب، بدعوةٍ من الأخ الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لجميع أبناء شعبنا الجنوبي للاحتشاد والاحتفال بهذه المناسبة في كلٍّ من حضرموت — قلب الجنوب النابض ومرتكزه الاستراتيجي — والضالع، بوابة الجنوب ورمز نضاله التحرري.

في رسالةٍ للعالم أن كل الخيارات مفتوحة أمام شعب الجنوب وقيادته الحكيمة، لما فيه رفع المعاناة عن كاهله، خصوصًا وأن شعب الجنوب يعاني من أزماتٍ مفتعلة تقف أمام مشروعه التحرري لاستعادة دولته على أرضه وترابه الوطني.

لقد رفرف علم الجنوب عند جلاء المستعمر في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م خفاقًا في كل ربوع الوطن، بألوانه الزاهية: الأحمر الذي يرمز إلى دماء الشهداء التي سُكبت على أرض وتراب الجنوب، والأبيض الذي يرمز إلى السلام المنشود والرخاء المنتظر بعد رحيل المستعمر، والأسود الذي يرمز إلى الفترة المظلمة التي عاشها شعب الجنوب تحت ظلم المستعمر البغيض.

لينتقل شعب الجنوب من طور النضال إلى طور البناء، الأمر الذي أفضى إلى إرساء قواعد الدولة بمؤسساتها وجيشها وأمنها، التي كانت الحارس الأمين لكل مكتسبات الجنوب والحفاظ على أمنه واستقراره.

وبتضحيات شعب الجنوب وإصرار قيادته بمجلسه الانتقالي، ممثلةً بالأخ الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، على استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على أرضه وترابه الوطني، ليرفرف علم الجنوب عاليًا في سماء الوطن احتفاءً بالاستقلال الثاني، وعودة الجنوب إلى ما كان عليه قبل الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.

فيديو