الضالع تُشعل جذوة أكتوبر طوفان الجنوب يجدد عهد الحرية والكرامة

تقارير - منذ 1 شهر

الضالع ،عين الجنوب || خاص

لم يكن ما شهدته مدينة الضالع مجرد مهرجان جماهيري عابر، بل كان طوفانًا بشريًا هادرًا تدفق من كل محافظات الجنوب نحو مدينة العزة والكرامة والصمود، المدينة التي كتبت على جدرانها تاريخًا من البطولة، وعبقت شوارعها برائحة التضحيات.
ضالع المجد التي لم تخذل يومًا قضية، ولم تتراجع أمام عدو، فتحت صدرها واحتضنت أبناء الجنوب الأحرار في ذكرى أكتوبر المجيدة، لتؤكد أن الجنوب لا يزال حيًا في ضمائر أبنائه، وأن روح الثورة التي انطلقت قبل عقود ما زالت تنبض في ميادينها وحاراتها.

تدفقت الحشود في مشهد مهيب يليق بمدينة صنعت الانتصارات ولقّنت الغزاة دروسًا في الكفاح والشموخ. رجال ونساء وشباب وأطفال، جاءوا يحملون الأعلام ويرددون الهتافات التي توحّد القلوب قبل الأصوات، جاءوا ليجددوا العهد بأن الجنوب باقٍ، وأن دماء الشهداء لم تذهب هدرًا، وأن النصر الذي انطلق من جبال الضالع سيمتد ليغسل غبار الظلم عن كل أرضٍ جنوبية.

الضالع في ذلك اليوم تحوّلت إلى لوحة وطنية عظيمة، تمازجت فيها ألوان الحرية بالعزة والكرامة، فكل زاوية فيها كانت تصدح بالأغاني الثورية، وكل بيت يرفع راية الجنوب كان يروي قصة فداء، وكأن المدينة بأكملها استعادت ذاكرة أكتوبر لتعيد رسمها بألوان جديدة وأحلام أكبر. لقد جاء أبناء الجنوب من الساحل إلى الوادي، ومن المهرة إلى عدن، ليقولوا للضالع: شكرًا لأنك كنتِ ولا تزالين الحصن الذي يحمي الكرامة.

لم تكن الحشود مجرد احتفال، بل كانت رسالة قوية لكل من يحاول العبث بقضية الجنوب أو الالتفاف على إرادة شعبه، فالضالع أثبتت مرة أخرى أنها البوصلة التي لا تنحرف، وأنها مهما حاولوا إضعافها تزداد قوة وصلابة، لأنها تتنفس من رئة التاريخ وتعيش في وجدان كل جنوبي حر.

وفي لحظة تاريخية اتحدت فيها الهتافات مع نبض الأرض، شعر كل من حضر أن الجنوب يستعيد ذاته، وأن روح أكتوبر عادت لتضيء الطريق أمام جيل جديد يؤمن بالحرية ويقاتل من أجل مستقبل لا مكان فيه للوصاية ولا للتبعية. إن ما جرى في الضالع لم يكن مهرجانًا عاديًا، بل كان إعلان ولادة جديدة لروح الجنوب التي لا تموت، وتجديدًا لعهد الوفاء للشهداء الذين سقطوا لتبقى راية العزة مرفوعة في سماء الجنوب.

وهكذا أكدت الضالع أن أكتوبر ليس مجرد تاريخ في الذاكرة، بل هو نبض يسري في العروق، وإرث تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل. فالأصوات التي علت في ميادينها لم تكن مجرد شعارات، بل كانت ترجمة صادقة لإيمانٍ راسخٍ بأن الحرية لا تُمنح، وإنما تُنتزع، وأن الكرامة لا تُشترى، بل تُصان بالدم والوفاء. فالضالع التي قاومت الغزاة وكسرت سلاسل الظلم في أحلك المراحل، تواصل اليوم دورها في حماية المشروع الوطني الجنوبي، وتغذي روح الثورة في كل بيتٍ جنوبي.

لقد أظهرت الحشود التي غصّت بها شوارع المدينة أن الجنوب موحّد في إرادته مهما حاولت القوى المتربصة تمزيقه، وأن رسالة أكتوبر ما زالت حيّة كما كانت في فجرها الأول، حين خرج الأحرار من جبال ردفان ليعلنوا نهاية عهد القهر والوصاية. واليوم تتجدد الرسالة نفسها من جبال الضالع لتقول للعالم: إن الجنوب لا يقبل الخضوع، ولا يساوم على كرامته، وإن أبناءه ماضون في طريق الحرية حتى تحقيق الاستقلال الكامل.

في تلك اللحظات الخالدة، بدت الضالع وكأنها تعيد كتابة التاريخ من جديد بحناجر أبنائها التي صدحت للأرض وللشهداء وللمستقبل، ومع كل هتافٍ كان يرتفع كانت روح الجنوب تتجدد، وتزداد عزيمة الحشود التي لم تعرف التراجع، ولم تعبأ بحرارة الشمس أو وعورة الطريق، بل ظلت تهتف باسم الجنوب حتى المساء، لتؤكد أن القضية ما زالت حية، وأن النصر القادم يولد من رحم هذه الإرادة التي لا تُقهر.

إن مشهد الضالع في ذكرى أكتوبر لم يكن استعراضًا سياسيًا ولا تجمعًا احتفاليًا، بل كان تجسيدًا لروح الانتماء الصادق لوطنٍ يسكن في القلوب قبل أن يُخط على الخرائط. فالضالع لم تحتفل لنفسها بل لكل الجنوب، لأنها كانت وما زالت القلب النابض الذي يحرك الأمة الجنوبية من أقصاها إلى أقصاها، هي التي ترفض المساومة، وتقاوم الانكسار، وتغرس في الأجيال معنى الوفاء والإصرار.

وبين هتافات الجماهير ودموع الفرح التي سالت في أعين الآباء والأمهات، ارتسمت ملامح الغد المشرق، غد الجنوب الحر الذي يحلم به الجميع، غد السلام والعدالة والسيادة، غدٌ ترفرف فيه راية الجنوب خفّاقة فوق كل أرضه الطاهرة.
تلك كانت رسالة الضالع في أكتوبر المجيد: رسالة الوفاء للأرض، وللشهداء، وللحرية التي لا تعرف الانكسار.

فيديو