الخطاب الإعلامي لإخوان اليمن وآليات التحريض وصناعة الكراهية

تقارير - منذ 12 ساعة

عين الجنوب | متابعات .    
يعيش المشهد الإعلامي في اليمن، وتحديداً في المناطق الجنوبية، مرحلة حساسة تتقاطع فيها الحرب المعلوماتية مع الصراع السياسي والميداني. إذ لم يعد الخطاب الإخواني، ممثلاً في أذرع حزب الإصلاح الإعلامية، مجرد أداة للتعبئة أو الدعاية الحزبية، بل تحوّل إلى سلاح فعّال يُستخدم لإرباك الاستقرار وتبرير العنف، في إطار ما يصفه المراقبون بأنّه تمهيد ناعم للإرهاب.

فبحسب تقرير نشره موقع (عدن تايم)، فإنّ الحملات التي تطلقها وسائل الإعلام التابعة للجماعة تسبق غالباً العمليات الإرهابية أو محاولات الاغتيال التي تستهدف قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في الجنوب. ويشير التقرير إلى وجود نمط متكرر في كل مرة: تبدأ الحملة الإعلامية باتهامات وتشويه ممنهج ضد شخصية بعينها، تتبعها فترة تصعيد في الخطاب العدائي، ثم تقع الحوادث الميدانية بعد أيام أو أسابيع.

أدوات التحريض وصناعة الكراهية

تُظهر متابعة محتوى القنوات والمواقع المحسوبة على الإخوان أنّ ما يجري ليس نشاطاً إعلامياً تقليدياً، بل عملية تحريض ممنهجة توظّف عناصر نفسية واجتماعية لإثارة الفتن. فكل خطاب إعلامي يتم بناؤه وفق تسلسل محسوب يبدأ بتشكيك الشارع في القيادات الجنوبية، ثم يربطها بمصالح خارجية، لخلق انطباع عام بأنّ هذه القيادات عائق أمام الإصلاح. ومع استمرار التكرار يتحول الاتهام إلى قناعة لدى جزء من الجمهور، وهي البيئة التي تسهّل لاحقاً تقبّل أيّ فعل عدواني ضد تلك القيادات.

ويرى الكاتب رائد عفيف أنّ هذه الوسائل الإعلامية تعمل ضمن ما يمكن وصفه بغرف عمليات ناعمة، إذ يتم فيها تنسيق الخطاب وتوزيعه على مراحل، بحيث تُستخدم الأخبار الزائفة والمقاطع المفبركة لتغذية التصعيد. ويضيف أنّ الجماعة باتت تدير شبكة إعلامية تعمل بشكل متكامل يشمل القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي، وكلها توجّه رسائل متطابقة تخدم هدفاً واحداً هو إنهاك الجنوب وتشويه رموزه.

ويشير محللون إلى أنّ الدور الذي تلعبه هذه الوسائل يتجاوز التأثير الإعلامي، فهو يشكّل تمهيداً نفسياً للعنف السياسي. إذ تتحول الحملات إلى أداة لتهيئة الرأي العام لتقبّل الاغتيالات أو الانفجارات التي تليها، عبر تصويرها كردّ طبيعي على فساد أو خيانة القادة المستهدفين. وبذلك يصبح التحريض الإعلامي خطوة أولى في سلسلة عمليات متكاملة تبدأ من الخطاب وتنتهي بالعنف الميداني.

ويقول الباحث اليمني فؤاد المسلمي: "إنّ الجماعة أدركت منذ وقت مبكر أهمية السيطرة على الوعي الجمعي، ولذلك أنشأت منظومة إعلامية تخدم أهدافها الإيديولوجية قبل السياسية". فالإخوان، بحسب المسلمي، لا يسعون فقط إلى التأثير على الرأي العام، بل إلى إعادة تعريف العدو، من خلال تحويل الخصوم السياسيين في الجنوب إلى رموز معادية للإسلام أو تابعة للغرب، وهي لغة تعبئة تسهّل تبرير أيّ فعل عنيف لاحقاً.

تآكل الثقة بالمؤسسات

النتيجة المباشرة لهذه الحملات، وفق محللين أمنيين، هي إضعاف الثقة بالمؤسسات الرسمية في الجنوب، خصوصاً القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. فكلما تعرّض قائد جنوبي لحملة تشويه، تبدأ موجة من التشكيك داخل المجتمع، وهو ما يخلق انقساماً في الموقف الشعبي ويؤدي إلى تراجع فاعلية هذه المؤسسات في الميدان، وبذلك يحقق الإعلام الإخواني هدفه دون إطلاق رصاصة واحدة: إرباك الداخل وإضعاف المعنويات.

ويضيف مراقبون أنّ الجماعة استخدمت الأسلوب نفسه في مناطق أخرى قبل سقوطها، إذ اعتمدت على حروب الشائعات لإضعاف القيادات المحلية وتشويه الخصوم، ثم تسللت إلى مواقع القرار عندما فقدت المجتمعات الثقة بمؤسساتها الرسمية. ويرى هؤلاء أنّ الجنوب اليوم يواجه محاولة مكررة لإعادة إنتاج ذلك السيناريو القديم، ولكن عبر أدوات إعلامية أكثر تطوراً وانتشاراً.

وتؤكد دراسات ميدانية أنّ قنوات الإخوان لا تعمل بمعزل عن أجندة سياسية تموَّل من الخارج. وتشير تقارير أمنية إلى وجود دعم مالي ولوجستي يتدفق من شبكات خارجية، تُستخدم في تمويل الإنتاج الإعلامي وشراء المحتوى الدعائي، إلى جانب تدريب كوادر إعلامية على تقنيات التضليل الرقمي. الهدف من كل ذلك هو خلق فضاء إعلامي بديل يطغى على الخطاب الرسمي للدولة ويشوّش على الحقائق.

وفي هذا السياق، يعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الله الهاشمي أنّ الإعلام بالنسبة إلى الإخوان ليس وسيلة نقل للمعلومة، بل هو جزء من بنية التنظيم ذاته. فكل وسيلة تُدار بعقلية تعبئة وتوجيه، وليست مؤسسة مستقلة أو مهنية. ومن خلال هذه السيطرة يمكن للجماعة أن تبث رسائلها وتعيد إنتاج خطابها وفق التطورات الميدانية، بما يخدم تحركاتها السياسية والعسكرية.

خطاب مزدوج وتكتيك التضليل

تتّسم الدعاية الإخوانية في اليمن بخطاب مزدوج، إذ تقدّم نفسها في الخارج كتيار سياسي معتدل يؤمن بالديمقراطية، بينما تستخدم في الداخل لغة تعبئة دينية متشددة. فالمشاهد العربي الذي يتابع القنوات الممولة من الخارج يرى خطاباً حقوقياً يتحدث عن العدالة ورفض القمع، بينما يتلقى الجمهور المحلي رسائل تحريضية تدعو إلى العصيان ومواجهة السلطات الجنوبية. هذا التناقض المقصود يمنح الجماعة قدرة على المناورة، إذ يمكنها التبرؤ من خطابها الداخلي أمام المجتمع الدولي مع الاحتفاظ بأدواتها التحريضية محلياً.

ويُحذّر خبراء أمنيون من أنّ هذا النمط الإعلامي لا يقتصر على التحريض السياسي فحسب، بل يُسهم فعلياً في خلق بيئة خصبة للتطرف، من خلال تطبيع فكرة العنف كأداة للتغيير. فعندما يتم استهداف شخصية عامة في خطاب متكرر باعتبارها عدواً للدين، يصبح من السهل على المتطرفين أو الخلايا الإرهابية تبرير استهدافها لاحقاً. وهنا يبرز الخطر الأكبر؛ تلاشي الخط الفاصل بين التحريض الإعلامي والتنفيذ الإرهابي.

ويشير أحد التقارير إلى أنّ عدداً من العمليات التي استهدفت قيادات جنوبية خلال العامين الماضيين سبقتها حملات تشويه إعلامية مكثفة، استخدمت فيها القنوات التابعة للجماعة ووسائل التواصل لتبرير العنف أو التقليل من شأن الضحايا بعد استهدافهم.

في ظل هذا الواقع، يرى مراقبون أنّ الحرب ضد الإرهاب في الجنوب لم تعد ميدانية فقط، بل إعلامية في المقام الأول. فالقنابل والعبوات الناسفة تأتي بعد مرحلة طويلة من التفخيخ الذهني الذي تمارسه هذه القنوات. ولهذا باتت الجهات الأمنية مطالبة بوضع استراتيجيات لمواجهة التحريض الإعلامي بالجدية نفسها التي تتعامل بها مع العمليات المسلحة.

وتؤكد مصادر من المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ الجماعة تسعى إلى إنهاك القيادات الميدانية عبر حملات التشويه، لإحداث انقسام بين الجبهة السياسية والعسكرية في الجنوب. وتضيف أنّ مواجهة هذا النوع من الحروب تتطلب إنشاء وحدات رصد ومتابعة إعلامية قادرة على تحليل الخطاب الدعائي والتعامل معه بأسلوب مؤسسي، بعيداً عن ردود الفعل العاطفية.

فشل الإخوان في اختراق الجنوب

على الرغم من كثافة الحملات التي تشنها وسائل إعلام الجماعة، إلا أنّ تأثيرها بدأ يتراجع تدريجياً، وفق متابعين، بعد أن أدرك الشارع الجنوبي طبيعة اللعبة الإعلامية التي تستهدف أمنه واستقراره. فالمجتمعات المحلية باتت أكثر وعياً بآليات التضليل، وأصبح بإمكانها التمييز بين النقد الموضوعي والتحريض المتعمد. كما أنّ تكرار الأكاذيب ذاتها دون نتائج ملموسة أفقد تلك القنوات مصداقيتها لدى قطاعات واسعة من الجمهور.

ويقول الخبير الإعلامي جمال بامطرف: إنّ الإخوان خسروا معركة الثقة قبل أن يخسروا المعركة السياسية، لأنّ خطابهم القائم على المظلومية لم يعد يجد صدى بعد أن انكشف ارتباطهم بالانقسامات والعنف. ويضيف أنّ الاستراتيجية الحالية للجماعة تعتمد على استنزاف الخصوم نفسياً، لا على تحقيق إنجاز ميداني، وهو ما يفسر استمرار الحملات رغم فشلها في تحقيق أهدافها.

ويرى محللون أنّ أحد أسباب تأثير الإعلام الإخواني في الماضي هو غياب البديل المهني القادر على تقديم رواية دقيقة للأحداث. فالتعامل مع الدعاية لا يكون عبر الحجب أو الردود الانفعالية، بل ببناء منظومة إعلامية وطنية تستند إلى المصداقية والمهنية. ويؤكدون أنّ الجنوب بحاجة إلى مؤسسات إعلامية قادرة على إنتاج خطاب عقلاني يعزز الثقة بين المواطن والدولة، ويفضح في الوقت ذاته أدوات التحريض التي تستخدمها الجماعة.

وتبدو معركة الوعي اليوم في اليمن أكثر تعقيداً من أيّ وقت مضى، فالميدان لم يعد مجرد جبهة قتال، بل أصبح فضاءً إعلاميّاً مفتوحاً تتصارع فيه السرديات. وما لم يتم ضبط هذا الفضاء وإعادة الثقة بالإعلام الوطني، سيظل التيار الإخواني قادراً على توظيف الفوضى لصالحه، ولو من وراء الشاشات.

ومع إدراك السلطات في الجنوب لهذه الحقيقة، بدأ الحديث يتصاعد عن إطلاق مبادرات لمراقبة المحتوى الإعلامي الموجه من الخارج، ووضع تشريعات تجرّم التحريض السياسي الذي يؤدي إلى العنف، دون المساس بحرية الرأي.

إنّ التحليل المتأني لمسار الخطاب الإعلامي الإخواني في اليمن يكشف عن بنية متكاملة تعمل وفق منطق التنظيم لا منطق المهنة. فكل حلقة تلفزيونية، وكل مقال، وكل منشور في مواقع التواصل، يخدم هدفاً محدداً في معركة الجماعة ضد خصومها. ومع ذلك، فإنّ الوعي الشعبي المتزايد في الجنوب بدأ يكسر هذه المنظومة تدريجياً، ويفضح آلياتها القائمة على الكذب والتعبئة والتحريض.

منقول من موقع حفريات 
حسن خليل
صحفي مصري

فيديو