مخاطر التراجع عن القرارات الجنوبية بشأن حضرموت وشبوة والمهره

تقارير - منذ 1 ساعة

عين الجنوب ||خاص    

لم تعد القرارات الجنوبية المتعلقة بمستقبل حضرموت وشبوة والمهره مجرد خطوات سياسية عابرة، بل تحولت إلى عنوان لمرحلة تاريخية فاصلة، عبّرت عن إرادة شعبية صلبة تشكّلت عبر عقود من الإقصاء والنهب والتهميش. وأي حديث اليوم عن التراجع أو إعادة النظر في هذه القرارات لا يمكن فصله عن تداعيات خطيرة تمس الأمن والاستقرار والهوية والمصير، ليس في هاتين المحافظتين وحدهما، بل في الجنوب والمنطقة برمتها.

لقد مثّلت حضرموت، بما لها من عمق جغرافي وثقل اقتصادي وبشري، ركيزة أساسية في أي مشروع استقرار جنوبي. وكذلك شبوة، بما تختزنه من ثروات نفطية وموقع استراتيجي مؤثر. إن التراجع عن القرارات الجنوبية في هاتين المحافظتين يعني عمليًا فتح الباب مجددًا أمام قوى الفوضى، وإعادة إنتاج منظومة فشلت تاريخيًا في إدارة الدولة وحماية الموارد وصون كرامة الإنسان.

أول مخاطر هذا التراجع يتمثل في ضرب الثقة الشعبية. فالجماهير التي التفّت حول القرار الجنوبي لم تفعل ذلك بدافع العاطفة، بل نتيجة تراكم طويل من التجارب المريرة. أي تراجع اليوم سيُفهم كتنكّر لتضحيات جسيمة قُدّمت دفاعًا عن الأرض والقرار والسيادة، وسيخلق حالة من الإحباط قد تتحول إلى غضب وفوضى يصعب احتواؤها. الثقة، حين تُكسر، لا تُرمم بسهولة، وقد يترتب على ذلك شرخ عميق بين القيادة والقاعدة الشعبية.

أما الخطر الثاني فيكمن في الفراغ الأمني. القرارات الجنوبية أسست لواقع أمني جديد، حدّ من تمدد الجماعات المتطرفة وشبكات التهريب، خصوصًا في مناطق كانت تُستغل سابقًا كممرات مفتوحة للفوضى. التراجع يعني إعادة خلط الأوراق، ومنح تلك الجماعات فرصة ذهبية للعودة والتمدد، ما يهدد الأمن المحلي والإقليمي، ويحوّل حضرموت وشبوة إلى ساحات صراع بالوكالة.

اقتصاديًا، فإن التراجع يحمل كلفة باهظة. فهاتان المحافظتان تمثلان عصبًا اقتصاديًا حيويًا، وثرواتهما كانت لعقود طويلة عرضة للنهب دون أن ينعكس ذلك على حياة المواطن. القرارات الجنوبية وضعت لأول مرة أسسًا لإدارة الموارد لصالح السكان المحليين. أي نكوص عن هذا المسار يعني عودة العبث بالثروات، وضياع فرص التنمية، واستمرار دوامة الفقر والحرمان، وهو ما سيعمّق الأزمات الاجتماعية ويغذّي النزاعات.

سياسيًا، فإن التراجع سيُفسَّر كضعف في الموقف الجنوبي، وسيشجع الأطراف التي لم تهضم بعد واقع التحول على فرض وصايتها مجددًا. وهذا لا يهدد فقط مستقبل حضرموت وشبوة، بل يقوّض مجمل المشروع الجنوبي، ويعيده إلى نقطة الصفر، بعد أن وصل إلى مرحلة متقدمة من النضج والوضوح. إن الرسائل السياسية المرتبكة غالبًا ما تُقرأ خارجيًا كفرصة للتدخل والضغط وفرض الإملاءات.

ولا يمكن إغفال البعد الاجتماعي والهويه . فحضرموت وشبوة تمتلكان خصوصيات ثقافية واجتماعية، وقد عانتا طويلًا من محاولات الطمس والإلحاق القسري. القرارات الجنوبية منحت أبناءهما شعورًا بالإنصاف والاعتراف. التراجع عنها يعني إعادة إنتاج الإقصاء، وإحياء مشاعر الظلم، وهو ما قد يقود إلى انقسامات داخلية وصراعات مجتمعية تهدد السلم الأهلي.

إن حضرموت وشبوة ليستا مجرد جغرافيا على الخريطة، بل عمق استراتيجي ومفتاح استقرار ومستقبل. والتراجع عن القرارات الجنوبية بشأنهما لا يمثل حلًا أو تسوية، بل مقامرة خطيرة بمصير شعب قد حسم خياره. لقد أثبتت التجربة أن أنصاف الحلول لا تصنع دولًا، وأن التردد في لحظات الحسم يفتح أبواب الكوارث.

ختامًا، فإن المضي قدمًا في تنفيذ القرارات الجنوبية هو الضمانة الحقيقية للأمن والاستقرار والتنمية، أما التراجع فهو عودة إلى مربع الفشل الذي دفع الجميع ثمنه لعقود. الجنوب اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة، وأي تفريط بها لن يكون مجرد خطأ سياسي، بل جريمة بحق الأجيال القادمة.

فيديو