الجهود الأممية في اليمن: إدارة أزمة أم صناعة سلام؟

تقارير - منذ 2 سنة

الجهود الأممية في اليمن: إدارة أزمة أم صناعة سلام؟ عين الحنوب / سوث24 | وضاح العوبلي [caption id="attachment_3890" align="alignnone" width="300"]الجهود الأممية في اليمن: إدارة أزمة أم صناعة سلام؟ الجهود الأممية في اليمن: إدارة أزمة أم صناعة سلام؟[/caption] علّق  اليمنيون آمالاّ كبيرة على الدور الأممي خلال فترة تعيين الدبلوماسي "جمال بن عمر"، مبعوثاً أممياً على اليمن في إبريل 2011، وحينها كانت منظمة الأمم المتحدة تُعد بمثابة الجهة المثلى لحل الصراعات وإعادة ضبط التوازنات في البلاد بما تمتلكه من أدوات وإمكانيات على كافة المستويات، إلا أن شيئاً مما علّق اليمنيون آمالهم عليه لم يحصل. في الحقيقة، لم يقتصر الأداء الأممي المتراجع على فترة "جمال بن عمر"، ولو حصل ذلك لتم الاعتقاد أن الرجل نفسه لم يكن لديه من الخبرات والإمكانات ما يمكن أن يؤهله لأداء الدور الأممي المعوّل عليه في حل الصراع خلال تلك الفترة الهامة. إذ كان بالإمكان وضع حد للأحداث المتصاعدة قبل الانزلاق إلى ما وصل إليه الوضع اليوم، بما في ذلك "انقلاب" الحوثيين على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014. ومع استمرار المسار الأممي على ذات النهج وبنفس الاتجاه مع ثلاثة مبعوثين آخرين تم تعيينهم بعد بن عمر في ثلاث مراحل مختلفة من الصراع، شهدت اليمن مزيداً من التدهور ودورات العنف، وتضاعفت المعاناة الناجمة عن الحرب، مما عكس خيبة أمل كبيرة لدى الناس بأداء الأمم المتحدة، وهو ما جعل دورها في مجمل الأحداث اللاحقة غير مُرحب به لدى جزء كبير منهم. قد يكون القاسم المشترك لجميع الأطراف المتصارعة في اليمن هو ضعف الثقة بدور الأمم المتحدة وعدم التعويل عليها، والنظر إليها كجزء من المشكلة وليس الحل وفق الانطباع السائد لدى أغلب اليمنيين. "من الواضح أن مبعوثي الأمم المتحدة قد فشلوا جميعًا في مهماتهم الأممية لحل الأزمة في اليمن، بل ساهم البعض منهم في تعقيدها بسبب تقديرات خاطئة ربما، أو رفع سقف توقعات للحلول بتجاوز تفاصيل مهمة، أو البحث عن تحقيق مكاسب شخصية، أو عدم مقاومتهم للضغوطات التي كانوا يتعرضون لها سواء من أطراف محلية أو إقليمية أو دولية" [1]. تغريد خارج السرب اللافت في دور الأمم المتحدة في اليمن تحديداً، أنها لم تتعمق في معرفة تفاصيل الأزمة اليمنية وخفاياها، وتعتمد في الغالب على قراءات مغلوطة للواقع، وعلى تقارير تُصاغ بدعم من بعض الجهات الإقليمية لبعض مراكز الدراسات والأبحاث التي تعتمد الأمم المتحدة على تقاريرها كمرجعيات وأسس تستلهم منها مواقفها وتضع بموجبها خططها وبرامجها. هذه التقارير التي تعتمد عليها الأمم المتحدة أو مبعوثوها إلى اليمن؛ صيغت بما يخدم أهداف محدودة لصالح من يدعم مراكز إعدادها وصياغتها، وفي هذه الحالة يصبح من الصعب على أي مبعوث أممي أن يتمكن من تشخيص المشكلة اليمنية، أو معرفة المداخل الرئيسية للشروع في تفكيكها. إن التحرك الأممي المبني على هذه التقارير هو ما يجعل كل جهود المبعوثين الأمميين تصطدم برفض بعض الأطراف وامتعاض الأخرى. راعِ للسلام، أم جزء من المشكلة بالنظر إلى الدور الأممي في سوريا وليبيا واليمن، لا يبدو أن هناك انفراجات جوهرية قد حققتها الأمم المتحدة عبر مبعوثيها المتعاقبين على البلدان الثلاثة التي تتشابه فيها ظروف الصراعات والمشكلات إلى حد كبير. لقد بدا أن دور الأمم المتحدة في بعض الأوقات كأنه يشرف على الصراع بصورة غير مباشرة، فضلاً عن قيامه بجولات مكوكية تُصرف عليها موازنات مُكلفة يتم استقطاعها من الأرصدة المالية الممنوحة من عدد من المانحين الدوليين لهذه البلدان. وقد اقتصرت هذه الجولات الأممية على استطلاع وقراءة وجهات نظر الأطراف المتصارعة واستلام الرؤى والمقترحات منها، وهي مقترحات تمثل جميعها وجهات نظر أحادية ومتباعدة تعبر في غالبها عن الشروط المتضادة بين الأطراف المتصارعة. من جهة أخرى، لم تُظهر الأمم المتحدة الجدية والحزم، بل منحت بعض الأطراف مساحة سلبية للمراوغة والمناورة والتلاعب، وهي مساحة استثمرتها بعض الأطراف وطوّرتها وجعلت منها جبهة من جبهاتها التي تستعين بها لتشتيت الجهد الأممي والدولي، واللعب على وتر الحرص الأممي المبالغ فيه. الغريب في الأمر، أن الأمم المتحدة لم تغيّر أو تُعدل من هذا المسار الذي لم يحقق لها أي نتائج إيجابية، مع أن هناك فرص متوفرة يمكن من خلالها تصحيح مسار تعاملاتها بالاستفادة من إخفاقات المبعوثين الأسلاف، غير أن ما يتم ملاحظته هو انتهاج نفس المسار لمعظم المبعوثين، بل والاعتماد على ما انتهجه أسلافهم على اعتبار أن ما فعلوه منجزات، رغم أنها لم تحقق خطوة متقدمة في مسار السلام طوال ثمان سنوات منذ بدء الصراع في اليمن. كما أنّه من الواضح أنّ "كل مبعوث أممي كانت له حساباته الخاصة في ملف الأزمة اليمنية، بيد أنّ أهم العناصر التي كانت ستضمن نجاح مهمة كل مبعوث من عدمه، هو عمله الجاد واستقلالية قراره وعدم انحيازه لأي طرف سواء محلي أو إقليمي له علاقة بالصراع" [2]. استثمار الصراعات عندما نتحدث هنا عن خيبة أمل من الأمم المتحدة ودورها، فلا يقتصر الانتقاد هنا على الدور السياسي والدبلوماسي الأممي فحسب، سيّما وقد كشفت الأزمة الراهنة في اليمن أوجهاً عدة للاستثمار الأممي للصراعات. على سبيل المثال فقد أظهرت إحصائيات وبيانات صحفية استقصائية أرقاماً مهولة للأموال التي يتم صرفها على موظفي برامج الأمم المتحدة ومندوبي منظماتها الإغاثية والإنسانية، إذ اتضح خلال الأعوام الماضية أن المساعدات التي تتولى الأمم المتحدة الإشراف على توزيعها لا يصل للمستفيدين منها سوى حصة بسيطة لا تتجاوز 25 بالمائة من إجمالي ما يتم اعتماده للبرامج الأممية، بينما يستحوذ الموظفون والمندوبون على ثلاثة أرباع تلك الموازنات تحت مسميات متعددة. علاوةً على ذلك، فقد أوضحت تقارير سابقة بهذا الشأن "إنّ أكثر من 10 عمال إغاثة تابعين للأمم المتحدة، تم توظيفهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية الناجمة منذ خمس سنوات من الحرب الأهلية في اليمن؛ متهمون بالكسب غير المشروع، والتعاون مع المتحاربين من جميع الأطراف لإثراء أنفسهم من الموادّ الغذائية والأدوية والوقود والأموال المتبرع بها دولياً. [3] برامج استغلها الحوثيون قدمت الأمم المتحدة برامج ودعم إنساني مستمر في مناطق سيطرة الحوثيين على مسارات وطرق مختلفة، رغم التحذيرات بشأن نوعية الدعم المقدم التي يُفهم منها غالباً أنها تغذية للصراع. على سبيل المثال: قدمت الأمم المتحدة في 29 مايو 2019، دعماً بـ 20 سيارة تويوتا دفع رباعي [4] ، تم تسليمها تحت شعار "برنامج نزع الألغام"، مع أن هناك علم أممي مُسبق بأن الطرف الحوثي هو من يتربع قائمة مستخدمي الألغام من بين أطراف الصراع، إلا أنهم ظلوا يقدمون الدعم تحت هذه الذريعة في تصرف مناقض للحقائق. استغل الحوثيون الدعم وحوّلوا السيارات للاستخدام العسكري في الجبهات، وقد ظهرت نفس السيارات خلال استعراضهم العسكري في المنطقة العسكرية الرابعة الذي قاموا به في محافظة ذمار مطلع أغسطس الحالي. إذ تم رصد السيارات الأممية في العرض العسكري للآليات العسكرية الحوثية، وقد تم رشها باللون التمويهي المشابه للأليات العسكرية، ونصب عليها الحوثيون قواعد إطلاق صواريخ "الكورنيت الحرارية" الفتاكة عالية الدقة.* فضلاً عن ذلك، يضغط الحوثيون باستمرار على وكالات الإغاثة، ويجبرونها على توظيف الموالين لها، وترهيبها بالتهديد بإلغاء التأشيرات، ذلك يبدو الهدف منه السيطرة على تحركاتها وتنفيذ مشروعاتها. ووفقاً لمسؤولين تحدثوا لوكالة الأسوشيتد برس، إنه من غير الواضح عدد الموظفين الذين قد يساعدون المقاتلين، فالعديد من الحوادث التي وقعت في السنوات الاخيرة تشير الى أن موظفي الأمم المتحدة ربما كانوا متورطين في سرقة المعونات والمساعدات. [5] الأمم المتحدة وترحيل الصراع ينخفض سقف التوقعات بشكل غير مسبوق حول الدور الأممي لحل الصراع أو وضع حد نهائي له في اليمن، حيث برز مؤخراً أن المبعوث الأممي يدور في إطار عدمي غير ذي صلة بطبيعة وجذور المشكلة، متجهاً لتفعيل وتبني ودعم فعاليات شكلية، تظهر تارة بعقد ورشة عمل في السويد وتُخصص للممثلين الكوميديين والفنانين اليمنيين، وتارة أخرى بتخليق صفات قبلية بأسماء مشائخ قبليين لطلاب ومغتربين يمنيين تُعقد بهم ورش عمل وندوات في عمّان بالأردن، ولا يتوقف ذلك عند استدعاء عدد من العناصر النسائية ممن لا يمتلكن أي صفة اعتبارية إلا لغرض إقامة فعالية شكلية تحت شعار المكون النسائي. كل هذه الفعاليات بدى أنها تغطية للإخفاق الأممي المسبوق للمبعوث "غروندبرغ"، وهو إخفاق تكرر كثيراً السنوات الفائتة. إن تركيز المبعوث الأممي على ملفات بعينها وتجاهل ملفات أخرى من ملفات الصراع وجذوره، مثل ملف "قضية الجنوب"، ينم عن قصور في عدم فهم حساسية هذا الملف الأساسي، الذي ينبغي على المبعوث أن يمضي به في مسار موازِ لمسار حل الصراع مع الحوثي، وبدون المضي بهذه المسارات مجتمعة لا يبدو أن الجهد الأممي سيمضي بالصراع الحالي إلى صنع سلام حقيقي وفعلي في اليمن، بقدر ما سيتمخض عن ذلك ترحيل للصراعات وإبقاء الملفات مفتوحة على بعضها البعض.  

[عين الجنوب]

فيديو