سردية الوطن: الناقمون على الانتقالي ودروس التاريخ

تقارير - منذ 4 شهر

عين الجنوب | خاص 

في ظل التشابك الجيوسياسي في الشرق الأوسط، برزت موجة من الانتقادات الموجهة ضد أطراف متعددة، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي وسياسات السعودية الداخلية والخارجية بالإضافة الى الإمارات، وعلى الرغم من بعض التباين في الرؤى، فليس الهدف الدفاع عن أحد ولكن المنطق يثير هنا أسئلة جوهرية: ما البدائل المطروحة؟ وهل تعكس هذه الانتقادات إصلاحاً بناءاً أم تكراراً لدورة من الفوضى شهدها التاريخ وممولة خارج السياق العربي؟

كمثال يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي انتقادات من شخصيات تطرح مواضيع ذات نمط معين، وفي الغالب، لدى هؤلاء الناقدون رؤى بديلة تلبية لمشروع راعيهم، وهنا يبرز سؤال اخر: فرضاً إذا تخلى المجلس عن دوره الحالي، فمن سيكون البديل وفقاً لرؤية هؤلاء ومموليهم، بالتأكيد جماعة الحوثي؟

الأوضاع تحت سيطرة الحوثيين في شمال اليمن تُظهر صورة قاتمة: فئوية، فرض للإيديلوجيا، خراب إجتماعي وأزمات إنسانية متفاقمة. الملايين يعانون يومياً من التخويف والحرمان. في هذا السياق، يبدو من الواضح أن النقد الموجه للانتقالي هو طريقة تهدد بتقويض الجهود المبذولة لما حققه المجلس من الاستقرار في الجنوب على الرغم من حجم التحديات المفروضة عليه سواء من الداخل او في إطار إقليمي دولي.

وفي الجانب الآخر المملكة العربية السعودية:
لطالما كانت السعودية هدفاً للانتقادات والتشهير التي تتأرجح بين نقيضين. في الماضي، وُصفت المملكة بالانغلاق والتشدد. واليوم، ومع انفتاحها الكبير ضمن رؤية 2030، تجد نفسها تواجه اتهامات بنشر الفساد والانحلال الأخلاقي.

تثير هذه الازدواجية سؤالاً محورياً: هل النقد نابع من مبادئ ثابتة أم أنه مجرد أداة تُستخدم للتشكيك في خطوات المملكة، بغض النظر عن توجهاتها؟

علاوة على ذلك القضية الفلسطينية والمتاجرة بقضية عادلة
لطالما كانت القضية الفلسطينية محور وحدة عربية وقضية الأمة، لكنها أصبحت في كثير من الأحيان أداة استغلال سياسي. تُستخدم هذه القضية اليوم كوسيلة لإثارة الانقسامات داخل السعودية، دون النظر إلى عواقب زعزعة استقرار المملكة.

أي تدهور داخلي في السعودية سيؤدي إلى كارثة ليس فقط للسعوديين، بل للمنطقة بأسرها. إن مصير المملكة قد يعكس ما حدث في العراق وليبيا وتونس: دول تقسمتها المصالح الخارجية بعد انهيار أنظمتها المركزية، تاركة شعوبها فريسة للإستغلال والفساد والفوضى.

ويقدم التاريخ تحذيرات واضحة بشأن استغلال الانقسامات الداخلية. خلال انهيار الدولة العثمانية، استغلت القوى العالمية الفرصة لتقسيم الاراضي التي كانت تحت سيطرتها مما أدى إلى عقود من عدم الاستقرار والملفت للنظر أن هذه الدولة هي نفسها الان من ترعى بعض هؤلاء.

هذه ليست دعوة لكبح حرية النقد، فالنقد البناء ضروري للمساءلة، لكن يجب أن يكون قائماً على الحقائق ومصحوباً بالمصالح الوطنية للشعوب. التحديات التي تواجهها السعودية والإمارات والمجلس الانتقالي كبيرة، والتقدم يتطلب التعاون والحس الوطني، لا نشر العنف والتضليل. بالنسبة للجنوبيين، فإن دعم الجهود المبذولة لتأسيس حكم يلبي احتياجات المواطنين يُعد ضرورياً من أجل تحقيق العدالة التاريخية. أما بالنسبة للسعودية، فإن تحقيق التوازن بين التحديث والحفاظ على القيم الثقافية مع حماية سيادتها يُمثل تحدياً كبيراً يتطلب تفهماً، كما لابد أن يدرك المواطن السعودي حجم التحديات التي تواجه المملكة ويؤيد الإجراءات القانونية التي تمتثلها المملكة في الفترة الأخيرة.

وفي الأخير يستوجب على الناقمين على الانتقالي والسعودية أن يتأملوا دروس التاريخ وحقائق الواقع. الانتقاد والتشهير الممول وغير المدروس أو الخطاب المدمر يهدد بإعادة إنتاج أخطاء الماضي، حيث انهارت دول وشعوبها بسبب مثل هؤلاء العينات الفئوية. بدلاً من ذلك، يجب توجيه الطاقة النقدية نحو العمل البنّاء لضمان أن تسهم هذه الانتقادات في بناء مجتمعات أقوى وأكثر استقراراً. فقط من خلال الوعي الوطني والعمل الواقعي، يمكن للمنطقة أن تكسر الدورات المدمرة التي عانت منها لعقود، وقد تم مشاهدة نماذج ناجحة لذلك في المنطقة والعالم.

فيديو