القضية الجنوبية، قضية وطن وشعب وليست ملف سياسي

السياسة - منذ 1 شهر

قضية شعب الجنوب، ومحاولات الإلتفاف التدريجي

عين الجنوب | تقرير - خاص



القضية الجنوبية الوطنية هي قضية شعب تحمل على عاتقه نضال طويل لاستعادة دولته التي أُدمجت قسر في وحدة فشلت على كافة الأصعدة، وتحولت إلى عامل دمار واستنزاف للجنوب وأهله. ومع تعقيدات المشهد السياسي الحالي، يتصاعد خطر الالتفاف على هذه القضية من خلال محاولات التلاعب بالمطالب الجنوبية، وتقديم حلول جزئية أو قسرية تهدف إلى إجهاض تطلعات الجنوبيين، أو فرض خيارات لا تتماشى مع الواقع على الأرض.

المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي حمل راية القضية الجنوبية منذ تأسيسه وحظي بتفويض شعبي كامل، يواجه اليوم تحديات متزايدة من خصومه المباشرين، وأيضاً من قوى تحاول تطويق دوره والحد من تأثيره، عبر استراتيجيات التفاف متعددة، بعضها مباشر وبعضها خفي، تهدف إلى تحييد المجلس أو تهميش قضيته أو استنزافه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

واحدة من أخطر استراتيجيات الالتفاف تكمن في استخدام المفاوضات السياسية كسلاح لتمييع القضية الجنوبية. في كل مرة تطرح فيها مبادرات أو مشاريع للحل السياسي، يتم وضع الجنوب كملف ثانوي، وتُفرض صيغ غامضة تُبقي على الوضع الحالي دون الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. يتم ذلك عبر إغراق الجنوب في تفاصيل إدارية، وطرح مقترحات فضفاضة مثل الحكم او الشراكة، دون تقديم ضمانات حقيقية تضمن تنفيذها. هذه الأساليب تهدف إلى كسب الوقت، واستنزاف الجهد الجنوبي في حوارات لا تؤدي إلى نتائج فعلية، بينما تبقى القوى المناوئة للجنوب تعزز مواقعها على الأرض.

كما أن القوى التي تسعى للالتفاف حول القضية الجنوبية تدرك أن المجلس الانتقالي يستمد شرعيته من التفويض الشعبي، ولذلك تسعى إلى خلق بدائل ضعيفة ومُفبركة، لكنها في الحقيقة ليست سوى أدوات لإضعاف وحدة الموقف الجنوبي. يتم الترويج لهذه الكيانات كخيار غامض، أو يتم دفع شخصيات جنوبية للعب أدوار وسيطة لإرباك المشهد السياسي وإظهار الجنوب كأنه ساحة صراعات داخلية، في محاولة لكسر الإجماع الشعبي حول الانتقالي. هذه المخططات لا تهدف إلى تقديم بدائل حقيقية، بل إلى إضعاف الجبهة الجنوبية، وجعل المطلب الجنوبي يبدو غير موحد، وهو ما يُستخدم لاحقاً كمبرر دولي وإقليمي لتأجيل أي حلول حقيقية لقضية شعب الجنوب.

على المستوى العسكري، هناك محاولات لاستنزاف القوات المسلحة الجنوبية، سواء عبر افتعال أزمات داخلية، أو عبر تقليص الدعم والإمدادات العسكرية، أو حتى بمحاولة تفكيك هذه القوات وإعادة توزيعها تحت مظلات مختلفة. هذا الأسلوب ليس جديداً، فقد تم استخدامه في عدة مراحل سابقة لتقويض أي قوى جنوبية مستقلة، لكنه اليوم يتخذ أشكال أكثر تعقيداً، عبر استخدام الضغوط السياسية لفرض تغييرات في هيكلية القوات الجنوبية، أو عبر محاولات دمجها قسرياً في تشكيلات لا تعبر عن مشروع الجنوب، ما يجعلها تفقد هويتها ودورها الاستراتيجي.

الجانب الاقتصادي هو ساحة أخرى لمحاولات الالتفاف حول القضية الجنوبية. فبدلاً من تمكين الجنوب من إدارة موارده واستثمارها في بناء مؤسساته، يتم إغراقه في أزمات اقتصادية مفتعلة، عبر تعطيل صادرات النفط، أو منع الإيرادات من الوصول إلى عدن، أو التلاعب بأسعار الصرف، وكل ذلك بهدف خلق حالة من التذمر الداخلي، وتحميل المجلس الانتقالي فشل الآخرين، وبالتالي إضعاف شعبيته، رغم أن هذه الأزمات ليست ناتجة عن فشل داخلي، بل عن سياسات ممنهجة مدفوعة من الخارج تهدف إلى إبقاء الجنوب رهينة لسلطات مركزية لا تخدم مصالحه.

التحركات الإقليمية والدولية تلعب أيضاً دور في الالتفاف على القضية الجنوبية، حيث تسعى بعض القوى إلى فرض ترتيبات إقليمية تتجاهل المطالب الجنوبية، بحجة البحث عن (حل شامل)، في حين أن هذه الحلول غالباً ما تكون مصممة للحفاظ على الوضع الراهن وعدم إحداث تغييرات جوهرية. يتم استغلال نفوذ بعض الدول لإعادة رسم الخارطة السياسية للليمن، دون مراعاة الإرادة الشعبية في الجنوب، وهو ما يجعل من الضروري أن يكون للجنوب صوت قوي ومستقل في أي مفاوضات مستقبلية، وألا يقبل بأي حلول لا تضمن حقه الكامل في تقرير مصيره.

أمام هذه التحديات، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي مطالب في هذه المرحلة بالحفاظ على صلابته السياسية، وتعزيز شرعيته الشعبية، ورفض أي محاولات لتحييده أو تقييد دوره. كما أن الجنوبيين أنفسهم يجب أن يكونوا واعين لأساليب الالتفاف التي تحاول ضرب مشروعهم الوطني، وألا يسمحوا لأي مشاريع بديلة أو شخصيات مصطنعة بأن تختطف قضيتهم أو تميعها.

القضية الجنوبية تنظر لها بعض الأطراف نظرة قاصرة في كونها قضية تفاوضية يمكن الالتفاف عليه أو تأجيلها، والواقع يقول بلا أدنى شك أنها قضية شعب قدم التضحيات على مدى عقود، ولن يقبل بأن يتم التعامل معها كمسألة ثانوية أو كأداة في صراعات القوى. أي محاولة للالتفاف على إرادة الجنوبيين لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، لأن الشعب الجنوبي أثبت عبر تاريخه أنه قادر على فرض واقعه، في اي لحظة قد تقلب كل الحسابات التي تعرقل مسيرته الوطنية العادلة والمشروعة.

فيديو