من الأنفاق إلى الصواريخ: الحوثي يغيّر تكتيكه ويصعّد جنوبًا

السياسة - منذ 3 ساعات

عين الجنوب| عدن

 تصعيد حوثي واسع نحو الجنوب بعد سقوط مسارات التهريب الإيرانية

تشهد الجبهات الجنوبية في اليمن تصعيدًا عسكريًا لافتًا من قبل المليشيات الحوثية، في أعقاب الضربات الاستراتيجية التي تلقّاها مشروعها الإقليمي بعد سيطرة القوات الجنوبية على وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة، وما ترتّب على ذلك من قطع شرايين إمداد السلاح الإيراني المهرّب.

هذا التطور الميداني لم يمرّ دون ردّ فعل إيراني مباشر، إذ سارع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إلى إطلاق تصريحات عكست حجم الخسارة التي مُني بها المشروع الإيراني في اليمن، ووازيَت في دلالاتها ما تكبّدته أذرع طهران في لبنان وسوريا مؤخرًا.

انكشاف خطوط الإمداد واستنفار المليشيات

تؤكد معطيات ميدانية أن المليشيات الحوثية دخلت حالة استنفار غير مسبوقة عقب فقدانها خطوط تهريب رئيسية كانت تمر من المهرة، عبر وادي وصحراء حضرموت، وصولًا إلى نقاط التقاء نفوذ الحوثيين وجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة في محافظتي الجوف ومأرب.

ورغم أن هذه الشرايين لم تُقطع بشكل كامل بعد، لوجود منافذ ومسارات بديلة خارج نطاق العمليات الحالية، إلا أن استكمال خنقها بات ممكنًا في حال تضافرت الجهود الإقليمية والدولية لدعم القوى المناهضة للمليشيات الحوثية والتنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها القوات الجنوبية وقوات المقاومة الوطنية، خصوصًا عبر تمكينها من تنفيذ عمليات بحرية نوعية تستهدف شبكات التهريب المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

تحشيد عسكري واسع على امتداد الجبهات الجنوبية

عقب هذه التطورات، لجأت المليشيات الحوثية إلى تفعيل ما يُعرف بـ«النكف» القبلي، إلا أن هذا التحشيد بدا باهتًا مقارنة بحملات سابقة، ما يعكس تراجع الحاضنة الشعبية. في المقابل، دفعت المليشيات بتعزيزات بشرية ومادية مكثفة نحو خطوط التماس مع القوات الجنوبية.

وشملت هذه التعزيزات جبهات ممتدة من حريب، مرورًا بشبوة، وثرة وجيشان في أبين، وصولًا إلى يافع، والضالع، ومريس، والمسيمير، وكرش، وحمالة، وحبيل حنش، وطور الباحة، إلى جانب الجبهة الغربية في الساحل الغربي.

أنفاق، تحصينات، وغرف عمليات متقدمة

ميدانيًا، نفذت المليشيات الحوثية أعمالًا هندسية عسكرية مكثفة على طول الجبهات الجنوبية، شملت حفر أنفاق، وبناء تحصينات مركزية، وإنشاء غرف عمليات متقدمة في مواقع استراتيجية، أبرزها جبل السياني بمحافظة إب، ومنطقة الراهدة بمحافظة تعز.

كما قامت بنقل منظومات صاروخية وقواعد إطلاق إلى هذه المواقع، في مؤشر واضح على نيتها نقل المعركة إلى مرحلة جديدة. وأفادت مصادر خاصة بأن القيادي الحوثي المعيّن قائدًا للمنطقة العسكرية الرابعة، المدعو أبو نصر الشغف، قام مطلع ديسمبر الجاري بزيارة هذه التحصينات للإشراف على جاهزيتها.

الصواريخ والطيران المسيّر في قلب الاستراتيجية

تشير المعلومات إلى أن المليشيات الحوثية أعادت توجيه قدراتها الصاروخية والطيران المسيّر بمختلف مدياته نحو محافظات الجنوب، في اعتراف ضمني بعجزها عن تحقيق أي اختراق عسكري مباشر أمام القوات الجنوبية.

وتعكس هذه التحركات نية المليشيات تنفيذ هجمات صاروخية تستهدف العمق الجنوبي والمنشآت الحيوية، كما فعلت سابقًا باستهداف موانئ حضرموت وشبوة، ومطار عدن الدولي، في محاولة لفرض معادلة تهديد بديلة عن الهزيمة الميدانية.

شق طرق عسكرية ومحاولات التفاف

ضمن استعداداتها، أقدمت المليشيات الحوثية على شق واستحداث طرق عسكرية جديدة في عدد من المناطق، من بينها مفرق الرحبية في الراهدة بمحافظة تعز، مرورًا بالحبيل الأسود ووادي الطريان، قرب جبل حوامرة، حيث تتمركز قوات جنوبية على حدود المسيمير شمال لحج.

كما عملت على صيانة عقبة أمعذار وشق طريق فرعي باتجاه شعب أمهوق في مديرية مرخة العليا بمحافظة شبوة، إضافة إلى شق طرق عسكرية باتجاه جبهات كرش وطور الباحة وجبهة الحد في يافع وبيحان. ويرى محللون أن هذه الطرق تهدف إلى تنفيذ عمليات التفاف، وهي تكتيكات سبق للقوات الجنوبية إفشالها في مواجهات سابقة.

معسكرات جديدة وتوظيف عناصر إرهابية

منذ يونيو الماضي، كثّفت المليشيات الحوثية عمليات التحشيد والتجنيد في المناطق المحاذية للجبهات الجنوبية. ومؤخرًا، قامت باستيعاب عناصر تابعة للإرهابي أمجد خالد، وفتحت لهم معسكرات ومواقع عسكرية قرب حدود مديريتَي كرش والمسيمير في محافظة لحج، كما كلّفته بالإشراف على جبهة حيفان باتجاه طور الباحة، وتوزيع مجاميعه على مواقع متقدمة.

وفي شبوة، أعادت المليشيات تفعيل خلايا موالية لها تحت مسمى «أحرار شبوة»، وشكّلت ما يسمى باللواء 30 مشاة في مرخة العليا، حيث جرى تدريب هذه العناصر وتسليحها وصرف مرتبات شهرية لها، وتمركزها في مناطق شعب السلمين ونقاق.

أما في أبين، فقد استقطبت المليشيات عناصر من بعض المديريات، ونقلتهم إلى معسكرات استُحدثت في غول آل بركان بمكيراس، وأخرى في رداع بمحافظة البيضاء، لتلقي دورات طائفية وعسكرية، قبل إعادة نشرهم على خطوط التماس في مكيراس وثرة باتجاه لودر وجيشان.

انتشار صاروخي يهدد الجنوب

بالتوازي مع ذلك، استحدثت المليشيات الحوثية مواقع عسكرية جديدة في مناطق الحشاء باتجاه الضالع، شملت منصات صواريخ وطيران مسيّر في قلعة صفصاف وقلعة شرح، إضافة إلى مواقع في جبهة بتار، وبيت الشوكي بجبل السوداء في مديرية قعطبة، ومنصة في دمت، وقاعدة صاروخية أُدخلت إلى مديرية نعمان في البيضاء باتجاه محافظة شبوة.

تعكس هذه التحركات أن المليشيات الحوثية، وبعد تلقيها ضربة قاسية بسقوط مسارات التهريب الإيرانية، تتجه نحو تصعيد شامل يستهدف الجنوب بشكل مباشر، مستخدمة الصواريخ والطيران المسيّر والتحشيد غير النظامي، في محاولة لخلط الأوراق وفرض واقع أمني جديد.

غير أن المعطيات تؤكد في المقابل أن الجنوب بات اليوم في موقع متقدم لقطع ما تبقى من شرايين المشروع الإيراني، وأن دعم هذا المسار إقليميًا ودوليًا يشكل حجر الزاوية في حماية أمن الجنوب، واستقرار البحر الأحمر وخليج عدن، ومكافحة الإرهاب في المنطقة برمتها.

فيديو