صعود الجنوبيين وعودة للأنشطة الإرهابية - القاعدة وقوى الشمال الى أين

السياسة - منذ 10 أيام

عدن ، عين الجنوب | خاص

الحادثة التي شهدتها مديرية مودية بمحافظة أبين، اليوم الأحد، والتي استهدفت مركبة عسكرية للقيادي محمد معجم وقبلها السليماني تمثل أنعكاس خطير في الساحة الأمنية والعسكرية في الجنوب لا يمكن التغاضي عنه مطلقاً. استهداف اليوم لقائد الكتيبة الثالثة في اللواء الثالث دعم وإسناد بعبوة ناسفة يكشف عن نوايا مستمرة لزعزعة إستقرار الجنوب، ويثير تساؤلات حول الأطراف المستفيدة من زعزعة الأمن والاستقرار.

إن استخدام العبوات الناسفة في استهداف القيادات العسكرية يشير إلى وجود تخطيط دقيق وعمل منظم خلف الهجوم أكدتها العمليات الإرهابية في السابق، والعملية الآخيرة، التي وقعت بالقرب من مفرق أورمة في مودية، تعكس أيضاً استمرار التحديات الأمنية التي تواجه القوات الجنوبية في محافظة أبين، والتي تعد واحدة من النقاط الساخنة في الصراع ضد التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة الخارجة عن القانون خاصة وأنها محاذية لمحافظة البيضاء الشمالية التي تعد معقل إنطلاق لهذه العمليات.

الإصابة المباشرة للقيادي محمد معجم واثنين من مرافقيه تشير إلى أن الاستهداف لم يكن عشوائياً أبداً، بل يهدف إلى النيل من القيادات الفاعلة في قوات الدعم والإسناد والقوات الجنوبية الآخرى والأحداث السابقة أدلة مباشرة، تعكس رغبة الأطراف المعادية في إضعاف القدرات العسكرية الجنوبية وزعزعة استقرار مناطقها. حيث تعاني محافظة أبين من نشاط متزايد للتنظيمات الإرهابية، خاصة في المناطق النائية، والتي تستغل التضاريس الجبلية ومنافذ الولوج لتنفيذ هجمات مباغتة. ومع أن القوات الجنوبية حققت نجاحات في تقليص نفوذ تلك الجماعات خلال السنوات الماضية والذي أنعكس بدوره على العاصمة عدن بشكل ملحوظ، إلا أن مثل هذه العمليات تظهر أن التهديدات ما زالت قائمة، وأن التنظيمات المسلحة تسعى إلى إعادة ترتيب صفوفها وشن هجمات نوعية بناءاً على رغبة ممولها المحلي أو الإقليمي.

إضافة الى أن الحادثة تعكس مدى تعقيد البيئة الأمنية في الجنوب، حيث تتداخل مصالح الجماعات الإرهابية مع أجندات أطراف سياسية محلية وإقليمية. هذه التداخلات تجعل مهمة تأمين محافظات الجنوب أكثر تعقيداً، خصوصاً مع استمرار سياسة الأعمال الإرهابية المنظمة بتمويل من قبل القوى السياسية المناهضة لحق شعب الجنوب.

كما لا يمكن قراءة هذا الحادث وسابقاتها بمعزل عن السياق السياسي الأوسع في المنطقة. الأطراف التي تستفيد من زعزعة استقرار الجنوب، سواء كانت تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش، أو جهات مرتبطة بمصالح سياسية شمالية جميعها، تسعى إلى تقويض الجهود الجنوبية لاستعادة الأمن والاستقرار.

إن استمرار مثل هذه العمليات يهدف إلى إرسال رسائل سياسية وأمنية مفادها أن الجنوب ليس محصن ضد الهجمات الإرهابية، ليتضح أن الطريق لتحقيق الاستقلال والسيطرة الكاملة على الأرض لا يزال يحتاج الى تطهير البلاد أولاً من هذه الجماعات التي لا تحمل سوى الخراب والدمار والإغتيالات، فالقاعدة كفكر عبارة عن هندسة متخصصة للقوى الشمالية ضد الجنوب، فلا يكفي التواجد العسكري الظاهر لهذه الشبكات، إيران والقوى السياسية الشمالية عدا المؤتمر لم يدعموا جيشاً منظماً قط، بل لجأوا الى تشكيل مثل هذه التنظيمات الإرهابية، سواء كانت جماعة من المرتزقة لإستهدف قيادة القوات الجنوبية، أو جماعة دينية تحرض على الجنوبيين، او شبكات تهريب المخدرات المحلية والإقليمية والعالمية، والشبكات التمويلية ذات الصلة، كل هذا نتاج مخطط ممول على المستويين المحلي والإقليمي لضرب أمن وإستقرار الجنوب بشكل خاص. مما يبرز الضرورة الملحة لقيام القوات الجنوبية بتعزيز التنسيق الاستخباراتي وتكثيف العمليات الاستباقية في المناطق المعرضة للتهديدات الإرهابية. كما أن تعزيز الشراكات مع التحالف العربي والمجتمع الدولي في مجال مكافحة الإرهاب سيكون ضرورياً لإضعاف التنظيمات المسلحة. العنف الإيديلوجي المستند على الدين خاصة في الجنوب يشكل تهديداً مستمراً، هذه الجماعات تحمل فكراً إرهابياً تخريبياً، ولعل اسوأ وأخطر ما في ذلك أنها جماعات مسلحة ومسيسة في نفس الوقت، مما يستدعي ضرورة التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي لإجتثاثها من الجنوب.

علاوة على ذلك، من الضروري جداً أن يعمل المجلس الإنتقالي على الضغط بشكل مستمر على الحكومة المفروضة من أجل معالجة القضايا السياسية والإقتصادية في الجنوب وفي مقدمتها الخدمات والرواتب، حيث إن تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدماتية قد يسهم في تقليص تأثير التنظيمات المسلحة، التي تستغل حالة الفقر والحاجة لتجنيد الشباب، فالتدهور الإقتصادي في الجنوب إضافة الى الهجمات الإرهابية والتطرف الديني والتمويل المشبوه جميعها لم تسلم من التسيس المستمر.

الحادثة التي استهدفت القيادي محمد معجم تضع القوات الجنوبية أمام اختبار جديد لقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. وفي ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في الجنوب، تبقى الحاجة ملحة لجهود مستمرة وحازمة لضمان الاستقرار وتحقيق تطلعات الجنوبيين في استعادة دولتهم وبناء مستقبل آمن ومستقر، ولا يتأتى ذلك إلا بإستئصال هذه الجماعات المتطرفة إستئصالاً كاملاً سواء عسكرياً او مكافحة شبكاتها التمويلية، الجانب المالي في البلاد ينبغي أن يخضع للرقابة الأمنية كخطوة تآزرية لإستراتيجية الردع الجنوبي المنسقة. ويبقى الأمل هو التنفيذ لهذه الإستراتيجيات التي تحفظ مكتسبات شعب الجنوب الوطنية والسياسية والعسكرية في ظل الظروف الحالية المعقدة والمتشابكة.

فيديو