إمكانات التمويل الأخضر فرصة لتحول عربي نحو استدامة شاملة

تقارير - منذ 7 أيام

عين الجنوب | تقرير - خاص

في قلب الحدث الذي جمع مسؤولين من الأمم المتحدة وشركاء التنمية الدوليين، يحتل جناح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيز من النقاش حول مستقبل التمويل الأخضر في الدول العربية. هذه المبادرة، التي يُنظر إليها باعتبارها أداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، تُعيد صياغة مفهوم الاستثمار لتجعله أكثر انسجام مع الاحتياجات البيئية والاقتصادية للمنطقة.

بين الأحاديث المتبادلة والأفكار التي تطرح على الطاولة، تظهر (منصة التمويل الأخضر) كنافذة أمل تعيد تصور آفاق الاستدامة. المنصة التي وُضعت لتعبئة إمكانات استثمارية تصل قيمتها إلى 4.6 تريليون دولار، لا تقتصر على كونها مجرد فكرة، بل تمثل تحول جذري في كيفية استخدام الدول العربية للابتكار المالي لتحقيق النمو الأخضر. تحت مظلة هذه المبادرة، لا تقتصر الرؤية على تمويل المشاريع البيئية فقط، بل تمتد إلى بناء أنظمة بيئية متكاملة تشجع على الاستثمار في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية، والزراعة المستدامة، حيث رأينا بداية مبشرة للمملكة الشقيقة في تعزيز شراكاتها في مجال إدارة الموارد المائية. وكل هذا يتمحور حول الاستفادة من تقنيات حديثة وأدوات مالية مبتكرة، تضمن التوازن بين النمو الاقتصادي والمحافظة على البيئة.

في النقاشات الدائرة، يتحدث المشاركون عن التحديات التي تواجه الدول العربية في الانتقال نحو أنماط استثمار أكثر استدامة. السياق الاقتصادي والسياسي للمنطقة يشكل معضلة، ولكنه أيضاً فرصة غير مسبوقة لإعادة الهيكلة. هنا يأتي دور الشراكات الدولية، التي تُسهم في تقديم الدعم التقني والمالي، ما يعزز قدرة الدول على الاستفادة من منصة التمويل الأخضر وتوجيه إمكاناتها الهائلة نحو مشاريع ذات جدوى اقتصادية وبيئية طويلة الأمد.

وفي السياق ذاته، لا يغيب عن النقاش الأثر الإيجابي الذي قد تحدثه المنصة على مجتمعات الدول العربية. فالأدوات المبتكرة التي تُقدمها تُهيئ بيئة تشجع على ريادة الأعمال، وتفتح أبواب الاستثمار أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يُسهم في خلق فرص عمل وتعزيز دور المرأة والشباب في بناء اقتصادات مستدامة. وبينما يتبادل الحضور الأفكار حول الإمكانات غير المستغلة، يبقى الهدف الأكبر واضح، تحويل التمويل الأخضر إلى عنصر أساسي في الخطط التنموية للدول العربية، بما يضمن مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

هذه المبادرة، بكل طموحاتها وتحدياتها، ليست مجرد مشروع أو منصة تقنية. إنها قصة تكتب فصولها اليوم بين أروقة الأمم المتحدة وشركائها، لتحمل أمل جديد للدول الخليجية بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، في زمن باتت فيه الاستدامة ضرورة ملحة وليست خياراً. ولهذا السبب بالذات يمكن رؤية أن دول الخليج العربي تحديداً تقف على عتبة تحولات استراتيجية كبيرة مع تزايد الاهتمام بالاستثمارات المستدامة، وهو ما يتماشى مع الرؤى الطموحة التي وضعتها العديد من الدول في المنطقة لتحقيق اقتصادات أقل اعتماداً على النفط وأكثر تنوعاً واستدامة، المملكة تبذل جهوداً مبشره على قدم وساق تحت قيادة شابه تتمثل في ولي العهد محمد بن سلمان، ومن خلال منصة التمويل الأخضر، التي أطلقتها الأمم المتحدة وشركاؤها، تتيح لدول الخليج فرصة استثنائية للاستفادة من إمكانات بقيمة 4.6 تريليون دولار لتعزيز مشاريع تنموية تعكس التزامها تجاه البيئة والمجتمعات المحلية والدولية.

من خلال هذه المنصة، يمكن لدول الخليج تحويل خبراتها في مجال الاستثمارات والبنية التحتية إلى قاطرة تدفع بمشاريع جديدة في مجالات الطاقة المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر التي تعد المملكة أحد الدول الرائدة فيه، والطاقة الشمسية، حيث تضع دول مثل الإمارات والسعودية ذلك في صدارة أولوياتها. هذه التحولات ليست فقط عنصراً لجذب المستثمرين الدوليين، بل تمثل فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي مع الجنوب العربي بإمكانته الحالية والمتوقعه، يسعى ليكون جزءاً من هذه المنظومة العالمية المستدامة.

الجنوب، بصرف النظر عن تحدياته الحالية، يتمتع بموقع استراتيجي وإمكانات طبيعية هائلة تؤهله للعب دور محوري في مشروعات الاستدامة. مع وجود شواطئ طويلة وموارد بحرية غير مستغلة، يمكن أن يصبح الجنوب مركز لمشروعات الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى كونه شريك استراتيجي لدول الخليج في تعزيز سلاسل التوريد المستدامة والسبب الجغرافيا والتوجهات المشتركة. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في: خلق فرص استثمارية وتنموية من خلال جذب الاستثمارات الخليجية تحديداً لتنفيذ مشاريع بنى تحتية مستدامة، مثل الموانئ الخضراء التي تقلل من الانبعاثات الكربونية، أو مشاريع زراعية تعتمد على تقنيات حديثة لتوفير المياه وتعزيز الأمن الغذائي. خاصة وأن دول الخليج التي بدأت بالفعل في تعزيز دورها كشريك تنموي، يمكنها دعم الجنوب في بناء قدراته المؤسسية والفنية ليصبح جزءاً من التحولات الإقليمية نحو الاستدامة. والأهم أن الاستثمارات الخضراء ستوفر فرص للعمل في قطاعات مبتكرة مثل الطاقة المتجددة وإدارة الموارد، وهو ما يمكن أن يساعد في تقليل معدلات البطالة بين الشباب في الجنوب ويعزز الاستقرار الاجتماعي بشكل خاص والإقتصادي بشكل عام.

مشاركة الجنوب في مشاريع استدامة إقليمية ودولية تعزز من مكانته كشريك فاعل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، مما يفتح الأبواب لدعم دولي إضافي، وهذه الرؤية ليست فرضية بل متبناه في الجنوب حرفياً ويبقى الإدماج الجنوبي المنظم مع دول الإقليم والعالم ضرورة إستراتيجية.

الجنوب المستقر نسبياً بجانب دول الخليج، يمكن أن يشكل نموذج للتكامل الإقليمي في التحول نحو اقتصادات مستدامة. شراكة كهذه لا تعتمد فقط على التمويل، بل على بناء شبكات من الثقة والتعاون، حيث يمكن لدول الخليج والشركاء الدوليين أن يقدموا الدعم الفني والتقني، بينما يساهم الجنوب في توفير الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي. حيث وأن منصة التمويل الأخضر ليست فقط فرصة للاستثمار، بل هي دعوة لتبني رؤية مشتركة بين دول الخليج والجنوب لبناء مستقبل أكثر استدامة، حيث يتم تحقيق التوازن بين الاحتياجات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بما يعزز الأمن والاستقرار والإستدامة في الإقليم والعالم، برغم تصنيف المنطقة كنامية ولكن يمكن إعتبار ذلك بداية في الإتجاه الصحيح.

فيديو