إزدواجية المعايير الدولية في التعامل مع مطالب شعب الجنوب

السياسة - منذ 3 أيام

عدن ، عين الجنوب | خاص

على مر العقود، لعب القانون الدولي دور محوري في حل النزاعات ودعم تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدالة. ومع ذلك، لا تزال ازدواجية المعايير في تطبيق هذا القانون تعيق تحقيق العدالة الحقيقية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمطالب شعب الجنوب العربي في استعادة دولته المستقلة. هذه الازدواجية تكشف عن تناقض صارخ بين الخطاب الدولي حول دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين الممارسة العملية التي تفضل المصالح السياسية على المبادئ الأساسية للعدالة. حيث يعد حق تقرير المصير من أبرز المبادئ التي أقرها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وفقاً لهذه القواعد، يحق لأي شعب تعرض للقمع أو الإلحاق القسري المطالبة بالاستقلال وتقرير مصيره بحرية. ومع ذلك، يُلاحظ أن تطبيق هذا المبدأ يخضع لمعايير مزدوجة، حيث يتم دعم بعض الشعوب بقوة، بينما يتم تجاهل شعوب أخرى تحت ذرائع سياسية.

في حالات مثل تيمور الشرقية وكوسوفو وجنوب السودان، كان الدعم الدولي حاضراً وبقوة لتحقيق طموحات هذه الشعوب في الاستقلال. لكن عندما يتعلق الأمر بشعب الجنوب، الذي يطالب منذ سنوات باستعادة دولته التي كانت قائمة حتى عام 1990، نجد أن المجتمع الدولي يتجاهل مطالبه المشروعة، وكأن المبادئ الديمقراطية متاحة للبعض ومحرمة على البعض الآخر. فمنذ انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في 2007، أثبت شعب الجنوب التزامه بالوسائل الديمقراطية والسلمية لتحقيق مطالبه. لم يسعَ هذا الشعب إلى فرض إرادته بالقوة، بل طالب بإجراء استفتاء شعبي حر ونزيه تحت إشراف دولي لتقرير مصيره. ومع ذلك، لا تزال القوى الدولية تتعامل مع هذه المطالب كقضية سياسية داخلية، متجاهلة حجم الدعم الشعبي الجنوبي لهذه القضية.

ازدواجية المعايير تظهر بوضوح عندما ندرك أن المجتمع الدولي غالباً ما يدعم نظماً أو حلولاً تكرس الوضع الراهن بدلاً من مواجهة الحقيقة الصارخة بأن الوحدة اليمنية قد فشلت تماماً. الوحدة التي أُنشئت في 1990 تحولت إلى أداة للهيمنة السياسية والاقتصادية من قبل النخب الشمالية، مما أدى إلى قمع الشعب الجنوبي وتهميشه منذ إجتياح الجنوب عام 1994.

السؤال الأهم هنا: لماذا يتم تجاهل قضية الجنوب رغم مشروعيتها الواضحة؟ الإجابة تكمن في المصالح السياسية. موقع الجنوب الاستراتيجي المطل على ممرات بحرية دولية يجعله محل أطماع إقليمية ودولية. القوى الكبرى، بدلاً من دعم حق الجنوب في تقرير مصيره، تفضل الحفاظ على علاقات متوازنة مع الأطراف المسيطرة في الشمال لضمان استقرار شكلي يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية، بغض النظر عن الثمن التي تدفعه الشعوب.

هذا التجاهل يتعارض مع المبادئ التي يدعي المجتمع الدولي الدفاع عنها. كيف يمكن للمنظومة الدولية أن تدعي دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما ترفض دعم مطالب شعب يسعى لتحقيق العدالة بالوسائل السلمية؟

إن استمرار تجاهل المجتمع الدولي لمطالب شعب الجنوب لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة في اليمن المنقسم أساساً وزعزعة الاستقرار الإقليمي. شعب الجنوب أوضح بشكل قاطع أنه لن يقبل بأي حلول لا تضمن استعادة دولته المستقلة. تجاهل هذه الحقيقة يزيد من التوترات الداخلية ويعزز مشاعر الإحباط والغضب بين الجنوبيين قد تقود الى ثورة جديدة يرسمها هذا الشعب، كما رسمها في إكتوبر ونوفمبر.

ونحذر من  أن ازدواجية المعايير حتماً تؤثر سلباً على مصداقية القانون الدولي. عندما تُطبَّق المبادئ بشكل انتقائي، فإن ذلك يقوض الثقة في المؤسسات الدولية ويعطي انطباعاً بأن العدالة ليست سوى أداة تُستخدم لخدمة المصالح السياسية.

وبالرغم نكرر ونكرر أن على المجتمع الدولي أن يراجع سياساته تجاه قضية شعب الجنوب. يجب أن يتم التعامل مع مطالب شعب الجنوب على أساس مبادئ العدالة والديمقراطية، وليس وفق حسابات المصالح الضيقة. دعم حق الجنوب في تقرير مصيره لا يعني فقط احترام القانون الدولي، بل يعني أيضاً المساهمة في بناء سلام مستدام في المنطقة، وهو أمر لن يتحقق ما دامت حقوق الجنوبيين تُنتهك.

أن أن ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع مطالب شعب الجنوب تسلط الضوء على تناقض صارخ بين الخطاب والممارسة. شعب الجنوب له كل الحق في استعادة دولته المستقلة كحق قانوني وإنساني لا يسقط بالتقادم. المجتمع الدولي، إذا أراد حقًا تعزيز الديمقراطية والاستقرار، يجب أن يتخلى عن ازدواجيته ويعترف بعدالة قضية الجنوب كجزء أساسي من الحل الشامل للأزمة اليمنية، وبدونها تعتبر أطروحات لا تمت للواقع بصلة ولا تخدم مصالح الأطراف الداعمه لهذه الإطروحات التي تأتي على حساب شعب الجنوب أرضاً وإنساناً، فمتى سيفهم العالم ذلك؟!

فيديو