مأزق عمان في الجنوب: بين الماضي والحاضر

تقارير - منذ 28 يوم

الجنوب وعمان: علاقة على المحك

عين الجنوب | تقرير - خاص

لطالما كانت العلاقة بين الجنوب العربي وسلطنة عمان محكومة بالجغرافيا والتاريخ، حيث تشكل الحدود المشتركة والقرب الثقافي أساس لتفاعل معقد بين الشعبين. لكن مع تصاعد التوترات في المنطقة، أصبح دور عمان مثار جدل واسع، خاصة فيما يتعلق بدعم شخصيات مثيرة للجدل في المهرة. هذا الدعم، وإن بدا للبعض جزء من لعبة سياسية إقليمية، قد يحمل في طياته عواقب وخيمة على علاقة عمان بشعب الجنوب ومستقبل مصالحها في المنطقة.

عند العودة إلى حقبة ما قبل 1990، نجد أن العلاقة بين الجنوب وعمان لم تكن دائماً وردية. في ذلك الوقت، تورطت عمان في تهديد مصالح الجنوب، مما ترك جرح عميق في الذاكرة السياسية لشعب الجنوب. واليوم، يبدو أن عمان تخاطر بإعادة فتح هذه الجروح عبر سياسات مشابهة، لكن الظروف تغيرت. الجنوب اليوم ليس كما كان بالأمس، إذ بات أكثر وعي بمصالحه وأكثر تصميماً على حماية مكتسباته الوطنية.

في هذا السياق، تبرز شخصية علي سالم الحريزي كأحد أبرز المحاور في هذا التوتر. الحريزي تظهر لديه توجهات سياسية واضحة تخدم جماعة الحوثي بالإضافة الى أجنده قطر، هذه الجماعة بالإضافة الى أجندة قطر تعتبر تهديد وجودي لشعب الجنوب وطموحاته الوطنية.

الحريزي لم يكن شخصية عابرة في المشهد، بل أضحى رمز لتحدي مباشر لطموحات الجنوب. دعمه من قبل أطراف إقليمية، يمثل استفزاز لشعب الجنوب ومجلسه الانتقالي بالإضافة الى التحالف العربي، ويطرح تساؤلات حول أهداف عمان طويلة المدى في المنطقة.

أهداف شعب الجنوب، أهداف وطنية مشروعة عادلة، وليست تهديداً لأحد، لكن إذا استمرت عمان في هذا المسار، فقد تواجه عدة تحديات خطيرة مثل:

فقدان الثقة الشعبية بين الجنوب وعمان، فشعب الجنوب، الذي يملك ذاكرة سياسية قوية، لن يتسامح بسهولة لأي جهة تُعتبر شريك في زعزعة استقراره أو دعم أجنده تخدم أعدائه. استمرار دعم أجنده تخدم أعداء الجنوب قد يؤدي إلى انعدام الثقة بشكل كامل بين الجنوب وعمان. أيضاً المجلس الانتقالي الجنوبي، بصفته الممثل لطموحات شعب الجنوب، قد يتخذ مواقف أكثر حدة تجاه عمان إذا استمرت هذه السياسات. مثل هذا التوتر قد يُضعف أي فرص للتعاون المستقبلي بين الشعبين. علاوة على أن إستمرار مثل هذه السياسات الخاطئة حتماً يهدد المصالح الاقتصادية، حيث تمتلك عمان استثمارات حالية ومحتملة في الجنوب، لكن استمرار سياساتها الحالية قد يعرض هذه المصالح للخطر، خاصة في ظل سعي الجنوب لاستقطاب شركاء جدد أكثر حيادية وشفافية.

لذا من الواضح أن عمان تحتاج إلى إعادة تقييم سياستها في الجنوب، ليس فقط لتجنب العواقب السلبية، بل لبناء علاقة أكثر قوة وإستدامة مع الجنوبيين، فالحدود المشتركة والترابط الثقافي بين الشعبين يحمل فرص كبيرة. لكن هذا يتطلب:

وقف دعم الشخصيات المشبوهة، حيث ينبغي على عمان أن تنأى بنفسها عن أي دعم لشخصيات تعمل ضد مصالح الجنوب أو تُعتبر ذات توجهات تخدم الحوثيين او أذرع قطر.

أيضاً على عمان أن تعمل على تعزيز الشراكة مع المجلس الانتقالي، من خلال فتح قنوات تواصل مباشرة مع المجلس والتي يمكن أن تساعد في بناء الثقة والتعاون في ملفات استراتيجية.

والأهم هو التركيز على التنمية بدلاً من التدخل المزعزع، وفيه يمكن لعمان أن تستثمر في مشاريع تنموية تخدم الشعب الجنوبي بشكل مباشر، مما يعزز صورتها كشريك إيجابي بدلاً من خصم محتمل.

بإختصار، عمان اليوم أمام مفترق طرق، الفرص سانحة، فإما أن تختار طريق تعزيز العلاقة مع الجنوب عبر سياسات تعكس احتراماً لتطلعاته الوطنية، أو تستمر في نهجها الحالي، مما سيؤدي إلى تدهور العلاقات وربما خسارة شريك إقليمي استراتيجي. الجنوب، بشعبه وقيادته الممثلة في المجلس الانتقالي، لن يتسامح مع أي تدخل يُنظر إليه كتهديد لمصالح شعبه.

فهل ستتخذ عمان الخطوة الصحيحة؟ أم أنها ستكرر أخطاء الماضي؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن شعب الجنوب، كما علمته دروسه التاريخية، مستعد للدفاع عن حقوقه، سواء بالتحاور أو بالتصدي الحاسم.

فيديو