الجنوب بين خيانة الشراكة وتخادم القوى الشمالية لاستهداف مصالحه

تقارير - منذ 20 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص

الدول لا تُبنى إلا بسواعد أبناءها، وحين تُفرض عليها قيادات أو شركاء غير مخلصين او لا ينتمون لها، تصبح هذه الدول عرضة للانهيار والخضوع لأجندات خارجية وداخلية مدمرة. قضية شعب الجنوب خير مثال على ذلك. منذ إعلان الوحدة في عام 1990 وحتى اليوم، ظل شعب الجنوب يعاني من سياسات ممنهجة هدفت إلى تهميشه لضمان سيطرة وهيمنة الحكومات الشمالية السابقة، وحالياً من خلال تخادم القوى السياسية مع الحوثيين لتعميق استهداف مصالح الجنوب وإبقائه رهينة لتلاعبات أجنده هذه القوى.

عندما أعلنت الوحدة بين الدولتين في مايو 1990، نتيجة لقرار فردي يعبر عن حسن النية وسذاجه في نفس الوقت، لكن النظام في صنعاء، بقيادة صالح وشركاؤه، كان له رأي آخر. بدلاً من العمل على بناء شراكة عادلة، استُخدمت للهيمنة والسيطرة على الجنوب.

حرب 1994 كانت نقطة التحول الكبرى. فعندما شعرت القيادات الجنوبية بالغدر الذي طال حيوات كوادرها، أعلن الجنوب فك الارتباط، وعلى أثر ذلك رد النظام في صنعاء بالقوة العسكرية. هذه الحرب ربما رأها البعض مجرد صراع سياسي بين القيادة الإشتراكية حينذاك والنظام في صنعاء؛ لكن في الحقيقة كانت هذه الحرب بداية لسياسة طويلة الأمد هدفت إلى إخضاع الجنوب وإضعافه. تمثلت في تسريح آلاف الضباط والجنود الجنوبيين، والإستيلاء على المؤسسات وسلاح الدولة، وخصخصة الموارد والمساكن لصالح النخب الشمالية.

واليوم، تستمر المعاناة بطرق أكثر تعقيداً. القوى الشمالية التي شاركت في تدمير الجنوب سابقاً عادت لتتخذ مواقع مؤثرة داخل الحكومة الحالية، متخفية تحت مظلة الشراكة الوطنية. هذه القوى، وياليتها أستغلت الفرصة لأثبات ما فشلت فيه طيلة ثلاثة عقود. بدلاً من خدمة مصالح الشعب، أصبحت تمارس تخادماً سياسياً وأمنياً وإقتصادياً مع الحوثيين، الذين يشكلون التهديد الأكبر للجنوب.

عندما اجتاح الحوثيون العاصمة عدن ومحافظات الجنوب، بدى وكأنه مجرد تحرك عسكري غير مؤثر، والحقيقة تم بتواطؤ واضح من القوى الشمالية القابعة في كل ركن وزاوية في الجنوب. القوات الموالية لعلي عبد الله صالح (حليف الحوثيين آنذاك) لعبت دوراً محورياً في تسهيل هذا الغزو، مما يعكس أن الوحدة لم تكن أبداً طوعية بل قسرية وأداة للهيمنة وصورة لإحتلال عسكري واضح المعالم.

والان هناك تقارير وشهادات ميدانية تشير إلى أن شخصيات داخل مجلس القيادة تقوم بالتخادم مع الحوثيين خاصة في الجانب العسكري والإقتصادي ولعل الازمات المفتعلة الحالية هي خير شاهد على حقيقة هذا التخادم.

الشعب الجنوبي اليوم هو ضحية للتآمر الخارجي، وأيضاً ضحية لضغوط داخلية من أفراد وشخصيات تسعى إلى إبقاء الجنوب في حالة ضعف دائم. الحكومة الحالية، التي يفترض أن تمثل مصالح الشعب، أصبحت جزءاً من المشكلة بدلاً من الحل.

القيادات الجنوبية التي قادت المقاومة ضد الحوثيين في 2015 وتحررت بفضل الله ثم بفضل تضحياتها الأراضي الجنوبية تُواجه الآن محاولات مستمرة لتقليص نفوذها، سواء عبر قرارات سياسية او إستجلاب كيانات أخرى وفرضها بينما القيادة الجنوبية يتم إستهدافها إعلامياً وأمنياً وإبعادها من مراكز القرار السيادية.

منذ تحرير الجنوب، لم تُقدم الحكومة الحالية أي خطط تنموية حقيقية لإعادة بناء ما دمرته الحرب. بل على العكس، هناك تقاعس متعمد عن توفير الخدمات الأساسية، مما يترك الجنوب في حالة من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسؤال لمصلحة من هذا التخلف؟!

القوى الشمالية داخل الحكومة تعرقل جهود القوات الجنوبية لضمان الأمن والاستقرار. على سبيل المثال، يتم تسهيل تهريب الأسلحة الإيرانية إضافة الى المخدرات لتمويل مليشيات الحوثي والذي لا يدخر جهداً لمهاجمه القوات الجنوبية المرابطة على طول امتداد جبهات القتال.

إذن لماذا يستمر شعب الجنوب في شراكة لا تخدم مصالحه وأمنه وإقتصاده وإستقراره، فمن منظور حقوقي، يعد هذا الواقع انتهاكاً صريحاً لحق شعب الجنوب في تقرير مصيره وإدارة موارده. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص بوضوح على حق الشعوب في اختيار قيادتها وإدارة شؤونها بحرية. ومع ذلك، تُفرض على الجنوب قيادات وشراكات لا تمثل طموحات شعبه، بل تسعى لإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، بل وأسوأ.

إذا كان المجتمع الدولي جاداً في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، فعليه أن يدرك أن القضية الجنوبية ليست مجرد مسألة سياسية، بل قضية حقوقية وإنسانية. شعب الجنوب ضحى بدمائه لاستعادة أرضه وحريته، ولن يقبل بالعودة إلى باب اليمن. المطلوب اليوم هو دعم حقيقي لحق الجنوب في تقرير مصيره، والاعتراف بأن إستجلاب حكومة مرتبطة بباب اليمن ليست حلاً، بل جزءاً من المشكلة. الجنوب بحاجة إلى قيادات نابعة من إرادة شعبه، تعمل من أجله ولصالحه، بعيداً عن أجندات ذاق شعب الجنوب فيها 3 عقود من الصراعات والحروب والإستغلال والتهميش.

ومن هذا المبدأ، الجنوب لم ولن يقبل بأن يكون رهينة لأجنده لا تعبر عن مصالح شعبه أو يصبح ضحية لشراكات وهمية تُبنى على حساب تضحياته وطموحاته. الطريق إلى الاستقرار يبدأ بالاعتراف بحق الجنوب في إدارة شؤونه واستعادة دولته الفيدرالية كاملة السيادة من المهرة الى باب المندب.

فيديو