الذكرى العاشرة لتحرير العاصمة عدن، بطولات وتاريخ جنوبي ناصع

تقارير - منذ 2 شهر

الذكرى العاشرة لتحرير العاصمة عدن، بطولات وتاريخ جنوبي ناصع

عين الجنوب | تقرير - خاص

في ليالي رمضان المباركة من عام 2015، كانت العاصمة عدن تعيش تحت وطأة الغزو الاحتلالي لميليشيات الحوثي وقوات علي عبد الله صالح. تحولت شوارع المدينة وأزقتها إلى ساحات معارك، حيث تصدى أبناء الجنوب، بصدورهم العارية وإيمانهم العميق، لقوى الظلام التي حاولت إخضاع عاصمتهم الباسلة.

مع تصاعد الاعتداءات والبطش من قبل الميليشيات الغازية، برزت الحاجة إلى تحرك حاسم يعيد للعاصمة حريتها وكرامتها. وبتنسيق محكم بين المقاومة الشعبية الجنوبية وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وُضعت خطة عسكرية لتحرير العاصمة. أُطلق على هذه العملية اسم السهم الذهبي، في إشارة إلى سرعتها ودقتها.

كان دور المقاومة لأبناء العاصمة مهماً، بجانب أن الجنوبيين هبو من كل حدب وصوب لنصرة مدينتهم. توافدت الكتائب والمجموعات المسلحة، لتشكيل جبهة موحدة ضد الغزاة. هذا التلاحم الجنوبي كان عاملاً حاسماً في تعزيز قوة المقاومة وتوجيه ضربات موجعة للميليشيات الغازية.​

خطة التحالف كانت تدريب قوة تألفت القوة المشاركة في العملية من حوالي ألف مقاتل، معظمهم من الجنود الجنوبيين المسرحين بعد حرب 1994، والذين خضعوا لتدريبات مكثفة لعدة أشهر. في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وتحت جنح الظلام، انطلقت العملية من منطقة رأس عمران، حيث تمكنت القوات من تحريرها في غضون أربع ساعات فقط. بعد هذا النجاح الأولي، تقدمت القوات نحو مطار عدن الدولي وحي خور مكسر، كما برز الرئيس عيدروس الزبيدي، كقائد استثنائي في هذه المرحلة الحرجة. قبل معركة عدن، قاد الرئيس الزبيدي المقاومة في الضالع والتي قاد خطة التحرير، محققاً انتصارات مهمة ضد الحوثيين. بعد تحرير الضالع، توجه بقواته المدربة نحو العاصمة عدن، حيث كان القائد الوحيد على مستوى الجنوب يملك قوة عسكرية بشرية تم تدريبها منذ 2007 وكتبت مرسومها بالدم، هذه القوة الجنوبية التي كانت تتلقى تدريبات عسكرية في الأرياف، في محافظات جنوبية عدة، ساهمت في منع عبور الحوثيين عبر بوابة الجنوب، ثم التحمت فيما بعد مع مقاومة لحج فيما بعد عبر قطع خط المسيمير مما سهل بشكل فعال في تحرير العاصمة. حيث تم تنسيق العمليات العسكرية بين مختلف فصائل المقاومة الجنوبية، مما أدى إلى تحرير العاصمة عدن في يوليو 2015.​

لم تكن هذه الانتصارات لتتحقق لولا الشجاعة الفائقة والإصطفاف الجنوبي والتضحيات الجسيمة التي قدمها ابناء المقاومة من لجان شعبية، والمتقاعدين والمسرحيين الجنوبيين، والمدنيين الذي حملوا السلاح، والقوات المدربة بتمويل داخلي والأمهات اللاتي وقفن مع أبناءهن يشجعنهم والافراد المشاركين في إعتصامات الحراك الجنوبي. ففي كل شارع وزقاق، سُطرت ملاحم بطولية، حيث واجه المقاومون الجنوبيون بأسلحتهم البسيطة ترسانة الميليشيات الثقيلة. كما أن لكل بيت في العاصمة عدن ومختلف محافظات الجنوب قصة بطولة، ولكل عائلة شهيد أو جريح قدم روحه فداء للحرية متحدياً قوى الظلم والعنجهية والإحتلال الشمالي.

كما لعب التحالف العربي دوراً محورياً لا يمكن إغفاله في هذه العملية، من خلال تقديم الدعم الجوي والبحري واللوجستي والعتاد العسكري. رغم تركيز التحالف على العاصمة عدن، الا أن مقاتلات التحالف كانت تستهدف مواقع الميليشيات بدقة، مما سهل تقدم القوات البرية. كما قامت القوات البحرية بعمليات إنزال ناجحة على سواحل العاصمة عدن، مما أربك صفوف العدو وساهم في تسريع وتيرة التحرير.

مع بزوغ فجر يوم السابع والعشرين من رمضان، كانت العاصمة عدن قد تحررت من قبضة الميليشيات، وعادت البسمة إلى وجوه أبنائها. لكن هذا النصر لم يكن نهاية المطاف، بل كان بداية لمرحلة جديدة من التحديات. بدأت جهود إعادة الإعمار وتطبيع الحياة، وسط تحديات أمنية واقتصادية جسيمة مثل الإرهاب وتوقف المؤسسات الخدمية. إلا أن روح المقاومة والصمود التي أظهرها أبناء الجنوب خلال معركة التحرير، كانت كفيلة بتجاوز هذه الصعاب والمضي قدماً نحو مستقبل جنوبي أكثر حسماً وثباتاً. بعد تحرير عدن، استمر الجنوبيون في نضالهم لتحرير بقية المناطق من سيطرة الميليشيات. تولى الرئيس عيدروس الزبيدي منصب محافظ العاصمة عدن في ديسمبر 2015، حيث عمل على إعادة بناء المؤسسات الأمنية والخدمية في المدينة. كما ساهم في توحيد الصف الجنوبي وتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017، ليكون مظلة سياسية تمثل تطلعات أبناء الجنوب.​.

واليوم تحل ذكرى تحرير العاصمة عدن لتذكر الأجيال بتضحيات الأبطال الذين قدموا أرواحهم فداءاً للوطن. تظل هذه الذكرى محطة مضيئة ووطنية في تاريخ شعب الجنوب، تؤكد على قوة الإرادة والصمود في وجه الظلم والإحتلال والعدوان، فالظلم مهما طغى لابد وأن يزول يوماً ما.

فيديو