خرافات يمنية وسرديات إخوانية وزيدية زائفة حول هوية شعب الجنوب، تاريخه وحدوده الوطنية

تقارير - منذ 3 شهر

خرافات يمنية وسرديات إخوانية وزيدية زائفة حول هوية شعب الجنوب، تاريخه وحدوده الوطنية


عين الجنوب | تقرير - خاص


منذ أن تنفست الجغرافيا بحضاراتها الأولى، ظلت الحقيقة مشعلاً لا تطفئه رياح التزييف، لكن بعض الأقلام المأجورة والمناهج المشوهة لا تمل من محاولات تزوير التاريخ، لا لشيء سوى لخدمة أجندات سياسية تحاول فرض واقع رفضه التاريخ الجنوبي ورفضته الارض وسكانها. حيث، تسعى القوى اليمنية، عبر دعاية ساذجة لكنها مستمرة، إلى ترويج خرافات كبرى حول الجنوب و شعبه، لكنها سرعان ما تتحطم على صخور الذاكرة الجمعية الصامدة لأبنائه.

منذ ثلاثة عقود، تحاول الدعاية اليمنية زرع فكرة أن الجنوب فرع من أصل. لكن الواقع والتاريخ يثبتان أن الجنوب كان دائماً كياناً مستقلاً، حضارياً وسياسياً، منذ فجر الحضارات القديمة.

من باب المندب الى المهرة، لم يكن الجنوب امتداداً لحكم صنعاء، بل كان له ممالكه وسلطاته التي عاشت قروناً قبل أن يُخلق هذا الادعاء الزائف. فالقول بأن الجنوب فرع هو كمن يحاول أن يقنع البحر بأنه قطرة ماء! إن الحقيقة الساطعة تقول إن صنعاء لم تكن لها يوماً وصاية على الجنوب، لا في عهد الحكم الزيدي ولا العثماني ولا الفارسي والا الحبشي. وتواريخ الصراعات بين الجنوب والشمال تشهد لها محافظات الجنوب الحدودية منذ غابر الزمن وحتى الآن.

أيضاً لم تكتفي الدعاية اليمنية بادعاء أن الجنوب فرع، بل تجاوزت ذلك إلى التشكيك في هوية أهله، زاعمة أنهم ليسوا سوى هنود وصوماليين، هاجروا إلى عدن وبقية المدن الجنوبية واستوطنوها كلاجئين في أرض يمنية. لكن الحقيقة الناصعة والتاريخ الموثق يفند هذه الادعاءات العنصرية.

ليس إستنقاصاً من أي شعب لكن كما يتحدث التاريخ، لقد كان الجنوب، ومنذ آلاف السنين، ملتقى الحضارات ومحطة للتجارة العالمية، حيث جُعلت عدن عاصمته التجارية ما جعلها تستقبل موجات من التجار والمهاجرين، وبقية مدن الجنوب كانت منارات ثقافية تجذب البشر من كل مكان.  أصول الجنوبيين تعود إلى حضارات عربية قديمة، تمتد جذورها من حمير وحضرموت وقتبان والتي أنجبت أعظم التجار والعلماء. 

الجنوب وقبائله الذين ينتشرون في محافظات الجنوب، جعلت الجنوب يمتلك ثلاث معالم كمركز ثقل وهي حضرموت والمهرة التي توسعت تجارتها ودعوتها الى دول شرق اسيا (اندونيسيا وماليزيا) تعد شاهد على حقبة جنوبية تمتعت بنفوذ واسع، وتأثير لا زال الى الان، قبائل يافع وصل إمتداد نفوها الى الهند بل وحكمت في عمق الهند، قبائل شبوة وابين خاصة العوالق الكازمي أمتدت حروبها الى بلاد فارس في العهد الإسلامي، ولا زال هناك قبائل في باكستان وافغانستان تعود جذورها الى شبوة وابين الممتدة من حِمير.

بعد كل هذا التاريخ الجنوبي الموثق، يردد الساسة اليمنيون مصطلح استعادة الوحدة كمن يطارد السراب في الصحراء القاحلة. فـ المنطقة كانت مسرح لدول متعاقبة، لا يربطها رابط سوى صراعات النفوذ والهيمنة، تركزت بين الشمال والجنوب بدرجة رئيسية.

فـالجنوب والشمال مثل الزيت والماء، لا يمتزجان مهما رججت الزجاجة.. هذا مثل شعبي يحكي واقع الحال، فمنذ فجر التاريخ كانت ممالك الجنوب مستقلة عن ممالك الشمال، ولم يكن بينهما إلا حروب وغزوات لم تترك سوى الندوب، محافظات الجنوب الحدودية مثل الضالع، ولحج كانت مسرحاً للحروب، محاولات عديدة قام بها الزيود والعثمانيين والفرس وحتى الاحباش، لكن لم يستطيعوا التوغل الى الجنوب. عدا في 1994 حيث أستخدمت شعارات يمكن تشبيها بالثعبان، ناعم في ملمسه وقاتل في سميته ومنذ ذلك عاش الجنوبيين تحت احتلال بغيض أُلبِسَ لباس الوحدة، لكنه في جوهره لم يكن إلا محاولة للهيمنة وسرقة مقدرات الأرض والإنسان الجنوبي وطمس الهوية والتاريخ.

الكذبة الآخيرة والحديثة هي زعم المروجون أن بريطانيا هي من فصلت الجنوب عن الشمال، في حين أن الواقع يقول إن الجنوب كان ولا يزال كيان سياسي قائم بذاته منذ قرون.

حين دخلت بريطانيا العاصمة عدن عام 1839، كانت هناك سلطنات جنوبية مستقلة، لم تخضع في يوم ما لحكم صنعاء أو لأي كيان سياسي شمالي. ولم تكن بريطانيا هي من صنع هذا الواقع، بل وجدته قائماً فاختارت أن تتعامل معه كما هو، فالمستعمر البريطاني رغم ينطبق عليه المصطلح الا انه يمكن وصفه بالمستعمر العاقل، بالمقارنة بالإحتلال اليمني او الإستعمار الفرنسي والايطالي.. بينما صنعاء كانت تعيش في ظل صراعات مستمرة بين الإمامة والعثمانيين، ولم تكن لها يد أو سلطة على الجنوب. فمن يدعي أن بريطانيا قسمت المنطقة، كمن يدّعي ان مصر ليست ارض الفراعنة.

الحق أبلج، والباطل لجلج، وإن حاولت أقلام التزوير أن تطمس هوية شعب الجنوب، فالتاريخ لا يُكتب بالطبع الحراري، بل بالشواهد والحقائق التي لا تُمحى.

تجربة ما بعد حرب 94 و 2015 رسخت أن مهما تلون الثعبان، يظل يُعرف من سُمه.. وهكذا بات ينظر الجنوبيون إلى الدعاية اليمنية حيث لم يتعرفوا على الثعبان الا بعد لدغته في 94 ومحاولته في 2015، فهم يدركون أن الغاية منها ليست إلا فرض السيطرة على أرض لن تكون سليبة، ولم تكن يوم جزء من رواية كاذبة. حتى وان كانت الأكاذيب تصمد لحين، فإن الحقيقة تبقى كالنجم في سماء التاريخ، تهدي الباحثين عن الحق، وتعري أولئك الذين يحاولون تزييفه ودائماً حبل الكذب قصير.

فيديو