حصار للمستشفيات وتكتّم على القتلى.. الحوثي يواجه الضربات الأمريكية بالدعاية والتضليل

تقارير - منذ 3 أيام

عين الجنوب | متابعات
مع تواصل الضربات الجوية الأمريكية على مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، والتي تستهدف بدقة منشآت عسكرية ومخازن أسلحة وطائرات مسيّرة، تتصاعد محاولات الجماعة لاحتواء تداعيات الهجمات إعلاميًا، إذ تفرض تكتمًا شديدًا ورقابة صارمة على تداول أي معلومات تتعلق بحجم الخسائر، في مسعى لتقليل الأثر المعنوي للضربات، بل واستغلالها لمزيد من الحشد والتعبئة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
 
 
حصار المستشفيات
 
وفي ظل هذه السياسة الحوثية، تفرض الجماعة منذ أيام طوقًا أمنيًا مشددًا حول العديد من مستشفيات العاصمة المختطفة صنعاء، أبرزها المستشفى العسكري، ومستشفى الشرطة، ومستشفى المؤيد، ومستشفى القدس العسكري، ومستشفى "48"، وذلك عقب استقبالها عشرات القتلى والجرحى العسكريين الذين تعرضوا لإصابات بالغة أو لقوا مصرعهم جراء الضربات الأمريكية الأخيرة.
 
تؤكد مصادر طبية مطلعة لـ "الساحل الغربي" بأن جماعة الحوثي الإرهابية أفرغت ثلاجات المستشفيات من الموتى وخصصتها لاستقبال جثث القتلى من عناصرها الذين سقطوا جراء الغارات الأمريكية المكثفة، وتشير المصادر إلى أن الجماعة نقلت أجهزة ومعدات إلى مستشفيات تستقبل قياداتها العسكرية المصابة.
 
وتشير مصادر محلية في صنعاء إلى أن الجماعة تعمل أيضًا على تحويل بعض المستشفيات الخاصة إلى منشآت طبية عسكرية بشكل غير رسمي، حيث تفرض إجراءات أمنية مشددة وتمنع دخول المدنيين، بالتزامن مع تخصيص فرق طبية خاصة لعلاج المصابين من الصف الأول من القيادات الحوثية، كما لوحظ تزايد استدعاء الجرحى من الجبهات إلى العاصمة، مع تغييب كامل لأي معلومات عن مصيرهم.
 
وحسب المصادر، فإن جماعة الحوثي الإرهابية استدعت أطباء خضعوا سابقًا لدورات طائفية، من أجل العمل في المستشفيات، والعناية بالمصابين حيث تُدير قيادات حوثية بارزة العديد من المرافق الصحية في صنعاء وغيرها من المحافظات، وسط تحذير الطواقم الطبية بعدم تسريب أي معلومات حول أعداد القتلى والجرحى، وتتوعد المخالفين بالسجن والتصفية.
 
 
انتصارات وهمية
 
 
لا تقتصر سياسة التعتيم على الجانب الطبي فحسب، بل تشمل أيضًا الجانب الإعلامي، حيث يمنع الإعلام المحلي من تغطية الأحداث أو التساؤل بشأن ما يجري، كما يُحظر على العائلات إقامة جنازات علنية أو الإعلان عن الوفيات، كل ذلك من أجل الحفاظ على الروح المعنوية في صفوف الجماعة من الانهيار الشامل، وتكرار السيناريو الذي حدث لحزب الله اللبناني.
 
ورغم الخسائر المتتالية، تحاول وسائل إعلام حوثية الترويج لبطولات الجماعة الحوثية المزيفة، عبر إصدار بيانات رسمية مكررة، تزعم استهداف حاملة الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر، وبالمقابل تُغيَّب الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن الضربات الجوية للطيران الأمريكي.
 
وتُظهر بيانات الجماعة المنشورة عبر وسائل إعلامها الرسمية نمطًا متكررًا من "الرد الفوري"، إذ تسارع بعد كل ضربة أمريكية إلى نشر أخبار عن إطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة في اتجاه البحر الأحمر أو خليج عدن، ورغم غياب أي دلائل مستقلة تؤكد هذه العمليات، فإن التكرار المتواصل يعكس رغبة الجماعة في فرض صورة الصمود والتحدي أمام أنصارها.
 
وباستخدام آليات مدروسة تهدف لتثبيت صورة "المنتصر" في أذهان المناصرين، تعتمد الجماعة على تضخيم أي عملية تتبناها، حيث تنشر مقاطع فيديو معدّلة بعناية، تُظهر منصات إطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة أثناء إطلاقها، فيما تتجاهل عرض أي لقطات توضح نتائج الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين.
 
هكذا يلجأ الإعلام الحوثي إلى تدوير مقاطع أرشيفية، وعرض تدريبات عسكرية قديمة، كما يستخدم تقنيات مونتاج لتضخيم إنجازات ميدانية محدودة، وعند التعرض لخسائر جسيمة، تُبنى روايات بديلة تنفي الهزيمة بصورة غير مباشرة، عبر الإعلان عن سقوط ضحايا مدنيين وتحميل الأطراف الخارجية مسؤولية ذلك، أو اتهام أفراد بالخيانة وتنفيذ حملات اعتقال واسعة لتشتيت الانتباه.
 
إلى ذلك، تتعمد الجماعة إنتاج قصصًا مدروسة لعناصر قتلتهم الضربات الجوية الأمريكية، وتحاول تقديمهم كمناضلين والحديث عن مسيرتهم الجهادية وأسرهم، في محاولة لتغليف الحدث برمزية دينية واجتماعية تُخفي واقع الخسارة العسكرية الفادحة.
 
 
 
تيليغرام.. جبهة الحوثيين
 
في ظل الحظر المتكرر من قبل منصات فيسبوك ويوتيوب، وجدت جماعة الحوثي الإرهابية، في تطبيق "تيليغرام" منصة بديلة وفعالة لبث دعايتها الحربية والتنظيمية، حيث تحوّل إلى ساحة رئيسية لنشر بياناتها المصورة، وتسجيلات خطابية، وأناشيد جهادية، وتعليمات تنظيمية.
 
وتعمل الجماعة الحوثية عبر شبكة متعددة المستويات داخل تطبيق "تيليغرام"، تشمل قنوات رسمية تبث الأخبار والبيانات بصيغة عسكرية، وقنوات شعبية توزع الشائعات بصيغة مدنية وغير مباشرة، إلى جانب قنوات سرية مغلقة تستخدم لتنسيق الخطاب بين المؤثرين ونشر محتوى يساهم في حرف الأنظار عن خسائر الحوثيين.
 
وتعتمد الجماعة على ما يُعرف بـ "التدفق المعلوماتي"، إذ تُغرق القنوات المشتركين بعشرات المنشورات يوميًا خلال الأزمات، بهدف التشويش وطمس الصورة الحقيقية، كما تنشر قصصًا وسيناريوهات مفبركة عن "انتصارات"، مدعومة بصور قديمة وتسجيلات مُمنتجة، وغالبًا ما يتم تداول تسجيلات صوتية مزعومة لمقاتلين أو شهود عيان لدعم الرواية الرسمية.
 
ففي واحدة من أبرز الحوادث، بثت وسائل إعلام حوثية فيديو لسحابة دخان كبيرة تزعم حدوث "قصف أمريكي على منازل مدنية في الحديدة"، وذلك عقب تدمير منشأة عسكرية حوثية بضربة أمريكية دقيقة؛ لكن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الهدف كان موقعًا عسكريًا، وتعمدت جماعة الحوثي في تلك الحادثة نشر صور إرشيفية لضحايا مدنيين لتدعيم روايتها، في حين نشّطت حسابات وهمية في مواقع التواصل لوصف الضربات بالجرائم الأمريكية في محاولة لحرف النقاش.
 
 
التضليل الرقمي
 
من التلاعب بالحقيقة، إلى بث روايات ملفقة ونشر صور مزيفة، وصولًا إلى اعتقال الصحفيين وإخفاء الناشطين قسرًا، تسعى جماعة الحوثي الإرهابية لاحتكار السردية بالكامل داخل مناطق سيطرتها، وتسخير وسائل الإعلام والأدوات الرقمية وغيرها من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل لما يخدم مشروعها الإيراني ويساهم في خلق فكر مجتمعي يتناسب مع فكرها الطائفي، ويعزز من تحسين صورتها الذهنية لدى اليمنيين ويخدم برامجها في التحشيد والتجنيد.
 
ويرى خبراء أن هذه الآليات لا تشوّه الحقائق فحسب، بل تُقوّض فرص التفاهم والحوار السياسي، ففي زمن الميليشيا بات من الصعب على المواطن اليمني العادي تمييز الواقع من البروباغندا، خاصة بعد أن سيطرت الجماعة على الدولة وتحولت أدوات الإعلام إلى أسلحة حقيقية في يد الحوثيين، الأمر الذي يستدعي الحاجة لتعزيز الرقابة الدولية على المنصات الرقمية، ودعم الإعلام المستقل في اليمن، وتطوير أدوات كشف المحتوى المزيّف المتداول على نطاق واسع.
 
ويشدد مراقبون على ضرورة تعزيز التوعية الرقمية بين اليمنيين، خاصة فئة الشباب، لمواجهة هذا النوع من الحرب الإعلامية الحوثية، عبر ورش عمل ودورات تدريبية تسلط الضوء على أساليب التلاعب بالمحتوى، وطرق التحقق من الأخبار، وتمييز المصادر الموثوقة من المشبوهة، خاصة في ظل تصاعد دور الإنترنت كمصدر أولي للمعلومة.

فيديو