بتمويل عماني وإيراني: المهرة في مرمى المؤامرة ...

السياسة - منذ 6 ساعات

عين الجنوب|| خاص:

تتكشّف فصول الخيانة تباعاً، وتظهر معالم التآمر بحروف دامية في محافظة المهرة، البوابة الشرقية للوطن، حيث لم يعد التغلغل الحوثي المموّل من سلطنة عُمان خافياً، ولا ازدواج الولاءات مبطّناً، وما مسمى "الاعتصام السلمي" إلا ستاراً رثّاً لميليشيا مسلحة تُدار من الظلال.

لقد فجّرت حادثة ضبط الشيخ القبلي الموالي للحوثي، محمد أحمد علي الزايدي، وهو يحاول التسلل إلى الأراضي العمانية عبر منفذ صرفيت، كل الأقنعة التي ظلت تخفي حقيقة الخطر المحدق بالمهرة، وكشفت مدى الاختراق العميق الذي طال الأجهزة، وبلغ حدود الدم والخيانة.
فالشيخ محمد أحمد الزايدي، الذي ضُبط أثناء محاولته العبور إلى سلطنة عمان، ليس مجرد شيخ قبلي كما يحاول البعض تصويره. إنه حلقة من سلسلة تهريب وتنسيق متكامل مع مليشيا الحوثي، يتم تغذيتها من معسكرات أقامها ما يسمى بـ"لجنة الاعتصام السلمي" بقيادة علي سالم الحريزي، المعروفة بارتباطاتها الوثيقة بالمخابرات العُمانية والإيرانية. 
إن هذه اللجنة التي باتت تقيم معسكرات شبه نظامية في صحراء المهرة، وتتلقى الدعم المالي والسياسي من مسقط، تعمل على تحويل المهرة من منطقة مدنية إلى حاضنة عسكرية وأمنية لمشروع إقليمي معادٍ.
فالكمين الغادر الذي نصبه مسلّحو ما يُعرف بـ"لجنة الاعتصام" ضد قوة من الجيش التي كانت في طريقها لتسلّم الزايدي، وأسفر عن استشهاد العقيد عبدالله زايد وإصابة جنديين، ليس مجرد فعل عدائي، بل إعلان حرب على الدولة وشرعيتها، وبيان عملي عن أن المهرة باتت تُدار من غرفة عمليات مشتركة بين الحريزي والحوثي وبغطاء عماني فجّ وسافر.
فلم يعد خافياً على أحد أن سلطنة عُمان قد تحوّلت من دولة تدّعي الحياد إلى رئة يتنفس منها الحوثي، ومنصة لوجستية لدعم الانقلابيين في خاصرة الوطن الشرقية.
 فالمهرة اليوم ليست محافظة منكوبة بالانفلات الأمني فحسب، بل هي حديقة خلفية تُسقى بمال عُماني، وتُزرع فيها ألغام إيران، وتُحرسها عيون الحريزي ورجاله.

وأخطر ما في المشهد ليس فقط التمرد المسلح على الدولة، بل الصمت – أو التواطؤ – من قِبل بعض أجنحة السلطة المحلية التي استبدلت القرار السيادي بالمراوغة، ورضخت لضغوط الخارج. 
فالسلطة المحلية في المهرة، التي يُفترض أن تكون حامية للسيادة ومدافعة عن أمن الدولة، لم تقف عاجزة فقط، بل شاركت في الكارثة عبر التفاوض المخزي مع المتمردين، مساومةً على دم العقيد زايد، ومقدمةً عرضاً مشبوهاً للزايدي أن يُنقل تحت حماية قوى الأمن بدلاً من الجيش، وكأنها تعترف ضمناً بشرعية المسلحين وتبحث معهم عن صيغة "توافقية" تُجنّبهم غضب المليشيا.

إن ما حدث في حوف وسلسلة دمقوت، وما تم كشفه عن معسكرات صحراء المهرة التي أنشأتها لجنة الحريزي بمباركة عُمانية ودعم استخباراتي إيراني، وتُدار من قبل خبراء حوثيين، يُمثل مشروعاً عدوانياً وأمنياً خطيراً، هدفه تفريغ المهرة من انتمائها الوطني وتحويلها إلى منصة خلفية لإيران ومليشياتها.

والأخطر من كل هذا، أن عناصر "الاعتصام السلمي" التي كانت تتشدق برفض القواعد العسكرية الأجنبية، هي ذاتها التي سهّلت التغلغل الحوثي، وفتحت للمال العُماني أبواب القرى والجبال، وشجّعت على تهريب السلاح والقيادات الحوثية، من خلف أستار "الحقوق والسيادة"، فيما هي تُخرّب السيادة وتُسلم البلاد على طبق من خيانة.

إن استمرار الصمت الرسمي تجاه ما يحدث في المهرة يُعد جريمة تواطؤ لا تقل عن الجريمة الأصلية. فالإقالة المتسرّعة للشيخ أحمد بلحاف – أحد الأصوات الوطنية الشجاعة التي كشفت هذه المؤامرات والرافض لتحركات الحريزي ـ تمثل رضوخاً ذليلاً لتوجيهات غرف القرار في مسقط، وتخلياً عن آخر الأصوات التي كانت تنبه من الانزلاق إلى هاوية الحوثنة الكاملة .
 إن هذه الإقالة لا تخرج عن كونها استجابة مباشرة لضغوط عُمانية عبر أدواتها المحلية، وعلى رأسهم الحريزي، الذي لا يخجل من تحويل المهرة إلى مستعمرة حوثية محمية بمال مسقط ورضا طهران.

المهرة اليوم تُحوَّل بصمت إلى ملاذ آمن للحوثيين؛ يتم تهريب القيادات، وتُنقل الأموال، وتُحشد العناصر، وكل ذلك يجري تحت أنظار سلطة تدّعي السيادة، لكنها تصمت حين يقتل ضباط الجيش وتُمنع القوات من أداء مهامها. 
شإن التفاوض مع المسلحين الذين نصبوا الكمين وقتلوا العقيد زايد، ليس سوى شرعنة علنية لميليشيا انقلابية، ومحاولة لتلميع جرائمها تحت لافتة "حلول سلمية

إن ما يحدث في المهرة ليس معركة حدودية، بل معركة وجود وسيادة وهوية. فحين يتحوّل منفذ صرفيت إلى بوابة خلفية لتهريب قيادات الحوثي، وحين تتحصّن الميليشيات في الجبال وترفض تسليم مطلوب للعدالة، وحين تُمنع وحدات الجيش من تنفيذ مهامها تحت تهديد السلاح، فنحن أمام واقعٍ متمردٍ مسلحٍ ، يُدار من الخارج بأيدٍ محليةٍ مأجورةٍ .

المهرة اليوم في خطر داهم، ومعركتها لم تعد مؤجلة ، فإما أن تتحرك الدولة لحسم التمرد واستعادة السيطرة على مفاصلها، أو ستتكرّس هناك نسخة مهجنة من صعدة، بنكهة عمانية ولكن براية حوثية خضراء، تُرفع على جبال دمقوت وشواطئ حوف، ويُعلن من خلالها سقوط البوابة الشرقية، وسط ذهول الجميع.

إن بقاء الحريزي وأتباعه في المشهد هو بقاء للمؤامرة، وإن استمرار التواطؤ من السلطة المحلية هو خيانة مضافة، وإن التراخي في اجتثاث هذه الورم الخبيث هو فتح لجبهة حرب جديدة قد لا تُغلق إلا بعد أن يُفقد الوطن جزءاً آخر من ترابه.

إننا أمام مؤامرة متكاملة الأركان: مليشيا حوثية تلبس عباءة قبلية، وسلطة محلية تُدار من خارج الحدود، وأموال إقليمية تسيل لتسميم النسيج الاجتماعي وتحويل المهرة إلى صعدة جديدة، ولكن بحماية رسمية وبغلاف ناعم.
 الوطن يُستنزف من أطرافه، والحوثي يزحف من بوابة لم تُحسب عليه من قبل .. والعدو لا يُقارع بالمفاوضات، بل يُطرد بالقوة.
المهرة تُختطف، والدولة صامتة، والدماء تُسفك، والبوابة الشرقية تنزلق من بين أيدينا.. والفاعل معروف، والممول معروف، والخيانة لا تحتاج إلى ترجمة.
فهل نستفيق قبل أن نكتشف أن المهرة باتت تحت حكم الحوثي رسمياً، ولكن بشالٍ ودشداشةٍ عمانية.

فيديو