التضحية بالثلثين بين العبث السياسي ومتطلبات المرحلة

السياسة - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص

بينما التحديات المعقدة تتشابك، لا سيما في الجنوب تبرز تصريحات بعض الشخصيات السياسية كمؤشرات مقلقة لما يعد انحرافاً عن جوهر العمل الوطني المسؤول، وآخرها ما صرح به الشيخ عمرو بن حبريش حول التضحية بالثلثين من ابناء حضرموت.

هذا الطرح لا يمكن وصفه إلا بالعبثي في سياق بناء الأوطان، وهو يتنافى مع المفاهيم الحديثة للدولة والمسؤولية السياسية. فخطاب التضحية بأي نسيج مجتمعي أو جغرافي أو ديمغرافي لا تُبنى عليها دول محترمة، بل هي وصفة لتفكيك النسيج الوطني ولإضعاف أي مشروع تحرري شعبي.

الشعوب لا تُدار بالمزايدات ولا بالخطب العاطفية، بل ببناء مؤسسات تمثل إرادتها وتحمي مصالحها، خاصة في مرحلة مفصلية كهذه تتطلب من القيادات المحلية والنخب السياسية أن ترتقي إلى مستوى الحدث. فالمخاطر التي تهدد الجنوب لم تعد محصورة في الانقسامات المحلية، بل تتسع لتشمل تدخلات خارجية، تغيرات في خارطة التحالفات، وأزمات اقتصادية وإنسانية خانقة.

مثل هذه التصريحات تخلق مناخاً من التوتر وتظهر صورة مشوهه للتوافق الجنوبي-الجنوبي الذي يمثل أحد المرتكزات الرئيسية لأي مشروع وطني ناجح. كونها تلمّح إلى نوايا البعض للتفريط بجزء من الجنوب في سبيل تحصيل مكاسب فئوية أو آنية.

بدلاً من اعتماد خطاب العاطفة، المطلوب هو بناء علاقات متينة تقوم على المصالح الوطنية، والمسؤولية الشعبية، تضمن تعريف المشروع الجنوبي كقضية عادلة تسعى إلى العدالة، والحرية، والحكم الرشيد.

على القيادات التي تمتلك رصيداً اجتماعياً نسبياً مثل الشيخ عمرو بن حبريش أن تدرك أن القوة الحقيقية اليوم لا تُقاس بحجم النفوذ في مؤتمر أو فعالية، بل بقدرة السياسي على تجاوز الحسابات الضيقة نحو رؤى وطنية تحفظ الحقوق وتبني الثقة مع مختلف الأطراف، داخل الجنوب وخارجه.

التاريخ لا يرحم من يفرط بشعبه، ولا يحترم من يرى في التضحية بالمجتمعات وسيلة لترسيخ الزعامة أو إرضاء الممولين. المعادلة الحقيقية لبناء الجنوب تكمن في تعزيز التماسك الداخلي، والتمسك بالثوابت، وتقديم نموذج سياسي راقي يليق بتضحيات الجنوبيين وتاريخهم وهويتهم المشتركة.

فيديو