تنظيم الاخوان وميليشيات الحوثي، بين التطرف الديني والسياسي، وأدلجة المجتمعات.

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص

برزت جماعات كالإخوان المسلمين وميليشات الحوثيين في المشهد السياسي الاقليمي، حاملتا أبعاداً دينية أيديولوجية معاد تنميطها، من خلال استخدام أدوات سياسية وإعلامية لتكريس نفوذها التنظيمي والطائفي، مع ما يرافق ذلك من خطاب مزدوج يتكئ على الشعارات الدينية ويخفي طموحات نظمية عميقة. ومن خلال تحليل سلوك هذه الجماعتين، يتضح أن العامل المشترك بينهما هو توظيف الدين لأهداف غير دينية ولا تمت للدين بأي صله، بل تتعلق أساساً بالسلطة والهيمنة، وهو ما عكسته الاضطرابات والقيود والإنتهاكات التي طالت المجتمعات التي فرضت نفسها فيها، والتقارير الدولية تتحدث بنفسها.

فبينما جماعة الإخوان المسلمين طورت منذ عقود منظومة دعائية موجهه، استطاعت من خلالها التأثير في فئات واسعة من الناس سابقاً، مستخدمة القنوات الفضائية والمنصات الرقمية وصفحات التواصل الاجتماعي لبث خطب دعوية ومحتوى تعبوي يحمل مضامين دينية وشعارات إصلاحية. لكن التجارب أثبتت أن هذا الخطاب سرعان ما يتحوّل إلى مشروع سياسي شمولي يخترق كل شيء عندما تتاح للجماعة فرصة الحكم، كما حدث في مصر وتونس واليمن. هذا التحوّل لا يأتي محمولاً على الإرادة الشعبية الحرة، بل عبر أدوات تعبئة تمزج بين الدين والخطاب السياسي. والنتيجة عادة ما تكون اضطراباً مجتمعياً حاداً، وانتهاكات جسيمة وتهديداً للهوية الوطنية للشعوب.

مواجهة هذا النوع من الخطاب لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الأمنية وحدها، بل يجب أن تكون مواجهة شاملة تكشف ازدواجية الخطاب الإخواني، واستغلاله العمل الخيري والديني الدعوي كوسيلة للتمدد التنظيمي، في الوقت الذي تُستخدم فيه الديمقراطية فقط كأداة مرحلية نحو التمكين. كما ينبغي تعزيز ثقافة الدولة المدنية، واحترام التنوع والاختلاف تحت مبدأ لا ضرر، وقطع الطريق أمام محاولات استنساخ مجتمعات متأخونة او طائفية تدار بعقلية ضيقة لا بمنطق الدولة.

على الجانب الآخر، يقدم الحوثيون نموذجاً أشد تطرفاً وأكثر وضوحاً في استغلال الدين. يتبنّون خطاباً يزعم الاصطفاء الإلهي، ويكرّس الحوكمة السلالية باعتبارها نظاماً مقدساً لا يقبل المراجعة عكسته التسمية، والخطب، والمنشورات والملازم والمحاضرات التي يلقيها اصحاب الدرجة الثانية، وفروع الدرجة الأولى. يهيمن هذا الخطاب على المناهج الدراسية، والإعلام، وخطب الجمعة، ويُستثمر بشكل مكثف في صنع عقل مستجهل وخاضع، لا يُسائل ولا يناقش، بل يسلّم بالولاية. هذه الجماعة لا تسعى فقط إلى حكم سياسي، بل إلى إعادة تشكيل وعي المجتمع وفق تصور ديني مغلق، يفرز مجتمعاً متطرفاً لا يعي ما يُراد به، ويصعب إخراجه لاحقاً من دائرة الظلام الفكري الاستعبادي الذي غذته الإيديولوجية الحوثية.

البيئة الاجتماعية التي انتشرت فيها ميليشيات الحوثي ساعدتهم على التمدد؛ إذ إن حرمان مناطق واسعة من التعليم في عهد صالح، خاصة في محافظات مثل ذمار، عمران صعدة، خلق فراغاً استغلته الميليشيات في ترسيخ خطابهم التعبوي. وقد بدا واضحاً أن الجماعة لجأت إلى الخداع في بداية اختراقها، حيث لم تطرح توجهها في الحكم بشكل واضح عند دخول صنعاء، بل ركّزت على شعارات معيشية ومظلومية "الجرعة"، والمستقبل الواعد لتكسب تأييد الشارع. غير أن ما حدث لاحقاً هو فرض مشروع أيديولوجي مغلق، يقوم على التقديس والغلو والتطرف الإيديولوجي، ويهدد جوهر التنوع السياسي والاجتماعي في شمال اليمن، خاصة في الشمال الغربي، والمناطق الوسطى.

أمام هذا الواقع، من غير المنطقي ولا الواقعي أن يُنتظر من جماعات كهذه أن تُنتج دولاً مستقرة أو نظم حكم رشيدة. فالإخوان يبنون مشاريع تقوم على الإختراق التنظيمي للدول، والإزدواجية على المبادى والمصالح العامة للشعوب، والولاء للفكر الاخواني لا للوطن، بينما ميليشيات الحوثي قدمت نسخة سلطوية تعبوية متطرفة تحت غطاء ديني يتبنّى القداسة المصطنعة التي تخرج اي فرد يتناقض معها من دائرة الإيمان. كلاهما يُنتجان نماذج مغلقة متطرفة تتناقض بشكل صارخ وواضح مع مبادئ الدولة المدنية إن لم يكن مع المنطق.

وحتى أولئك الذين يحاولون مقاربة هذه التجارب من منظور فلسفي أو محايد، لا بد أن يلمسوا تناقضها الداخلي وتهافتها المنطقي. لا يمكن للعقل الواعي أن يقبل بمشاريع تقوم على التقديس والتضليل والولاية المستوردة، أو بمنظومات دعوية ظاهرها إصلاحي وباطنها استغلالي. المستقبل لا يُبنى على شعارات السلام الهش بل على وعي، ولا على هيمنة جماعة بل على ارادة الشعوب وسيادتها على اراضيها التاريخية، وهذا وحده يضمن الحقوق ويصون الحريات وتبنى أسس السلام المستدام على ارضية قوية لا هشة..

فيديو