لماذا يعد تنظيم الاخوان وميليشات الحوثي من أخطر التنظيمات الارهابية التي عرفتها المنطقة؟

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص

استناداً الى سلوك الجماعتين يبرز الخطر في منهجيات التأثير، والأسلوب، والقدرة على التلون والاختراق. ورغم اختلاف الخلفيات العقائدية والمذهبية بين الجماعتين، إلا أن التشابه في الأدوات، والمنهج، وأسلوب التمكين، يكشف عن منطق واحد يدير مشروع الإسلام السياسي، وهو منطق الهيمنة باسم الدين، واختراق مؤسسات الدولة والمجتمع لإعادة تشكيلها بما يخدم مصالح التنظيم، لا مصالح الوطن أو الناس الأول في سياق المجتمعات السنية والثاني في المجتمعات الشيعية. وقد تطورت هذه الجماعتين حتى أصبحت تُتقن استخدام وسائل متناقضة مثل الخطاب اللين وهم الواجهه يقابله فروع تتبنى خطاباً متطرفاً، في تدرج متعمد: تبدأ بالخطاب، وتنتهي بالعنف، مروراً بالتحريض، الاختراق، وصناعة القطيع.

بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد تبنّت منذ نشأتها في ثلاثينيات القرن الماضي خطاباً مزدوجاً يجمع بين الحريات والادعاء بالدعوة الدينية. غير أن التجربة أثبتت أنهم لا يسعون لإصلاح ديني ولا لتربية مجتمعية ابداً، بل لبناء نفوذ إخواني، تبدأ من المساجد، والجامعات، والمراكز وتنتهي بالبرلمانات ومؤسسات الدولة. ومن أخطر أدواتهم تلك التي اتخذت شكلاً مؤسساتياً دولياً تحت مسمى "الجمعيات الحقوقية". فقد تمكّنت الجماعة، خصوصاً في أوروبا، من تأسيس واجهات حقوقية تدّعي الدفاع عن الحقوق، لكنها عملياً تروج فقط للسردية الإخوانية، حيث يتم تجاهل كل انتهاكات وتناقضات الجماعة أو شركاؤها، والتركيز فقط على تشويه الاخرين. هذا الاختراق الحقوقي شكل لوبياً ضاغطاً في البرلمان الأوروبي وغيره، حتى أن تقريراً أصدرته مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي موّل، بشكل غير مباشر، جمعيات مرتبطة بالإخوان مثل اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) ومنتدى الشباب المسلم (FEMYSO)، في سابقة تهدد القيم الغربية نفسها.

لكن أخطر ما استخدمته الجماعة هو الدين كأداة سلطة. إذ لم تطرحه كقيمة عليا ترتقي بالمجتمع، بل كرافعة سياسية للتمكين السياسي. فكان الدين بالنسبة للإخوان هو وسيلة تعبئة وتجنيد، وأداة لإسكات الشعوب: من يختلف معهم هو ضد الإسلام، ومن يعارض مشروعهم هو مرتد أو عميل. هذه الأدلجة أفرزت طبقة من الوعاظ المرتبطين بالتنظيم، ينتجون خطاباً دينياً مسيساً، ويعيدون تفسير النصوص لخدمة المشروع. وبذلك، أصبح الإسلام لديهم مجرد واجهه شعاراتية وليس منظومة أخلاقية.

وعندما لم تنجح الشعارات الدينية الإخوانية، وملت الشعوب منها، لجأت الجماعة للعنف. في مصر، بعد سقوطهم الشعبي في 30 يونيو، تكشفت خلايا نائمة بدأت بتنفيذ عمليات إرهابية، لم تستثني مسلماً ولا مسيحياً. وفي اليمن، بعد ثورة 2011، استفاد حزب الإصلاح الفرع الإخواني من الفوضى، ليتمدد عسكرياً، وينشئ تابعين للحزب لا للوطن، مستخدماً دعماً خفياً من جهات خارجية. وهذا مثله التخادم مع ميليشيات الحوثيين، في سياق التحالفات الانتهازية، برزت فيها قضايا تهريب المخدرات والاسلحة، وعمليات ارهابية، ونفوذ مؤسسي عطل مصالح المجتمعات بالتخادم مع الميليشيات الحوثية.

في موازاة هذا العنف، تم تطوير استراتيجية إعلامية تعتمد على التضليل ونشر الشائعات. فالجماعة أنشأت مئات الحسابات، والمنصات، التي تعمل وفق آلية تضخيم الحدث وتجاهل كل ما لا يخدم السردية الإخوانية. كل ما يُنشر يخدم فكرة أن الجماعة اطهر وأنقى، وأن خصومها عملاء وطغاة وفاشلين، بصرف النظر عن الوقائع. ومع مرور الوقت، أصبحت المنصات الرقمية ساحة أساسية للتجنيد، عبر رسائل دينية أو محتوى سياسي تم إنتاجه بعناية لاستهداف الفئات الجاهلة، أو الباحثة عن اي افكار تتبناها.

ومن أدوات الجماعة الأكثر دهاءاً، إنشاء واجهات جديدة بملامح مختلفة لكنها تنتمي للتنظيم. فكلما أُغلقت جمعية أو مؤسسة، تنشأ أخرى تحت مسمى مختلف. وكلما حوصرت فكرة اخوانية، خرجت فكرة جديدة أكثر ليونة. هذا التلون هو أسلوب السرطان السياسي؛ فالتنظيم ينتشر في الجسد المجتمعي، متخفياً، حتى يصل للرأس. كما استخدمت الجماعة أساليب الفوضى المنظمة، التي شملت عمليات تهريب مساجين أو إطلاق سراح شخصيات محسوبة عليهم، كما حدث في اقتحام السجون أثناء أحداث 2011 في مصر، أو استخدام حالة الانفلات والتفجيرات الإرهابية لاستعادة قياداتهم.

ولم تكن الجماعة لتتغافل عن سلاح الابتزاز الإلكتروني، سواء عبر تهديد الصحفيين أو جمع ملفات شخصية ضد خصومها. وبفعل أذرعها المنتشرة في المؤسسات أو في المنصات الرقمية، مارست ضغوطاً على إعلاميين، وناشطين، وحتى على قضاة وسياسيين، في محاولة لفرض رؤيتها أو إسكات الأصوات الرافضة للإيديلوجية الإخوانية. أما قمة الانتهازية السياسية، فتجلت في ازدواجية الخطاب: ففي المحافل الغربية يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي الداخل العربي يتبنون خطابًا شعبوياً أو دينياً متطرفاً، ويبررون العنف كـ "دفاع عن المشروع الإسلامي"، مستغلين جهل الشباب وحماسهم كجنود في هجمات انتحارية وتنظيمات ارهابية.

في المقابل، نجد أن ميليشيا الحوثي استخدمت أدوات متقاربة لكنها أكثر مباشرة ووضوحاً. فالجماعة بدأت بخطاب ديني مطعّم بشعارات مقاومة الفساد والجرعة، والدفاع عن الفقراء. وعندما دخلوا صنعاء في 2014، كانوا يرفعون شعار عجبت لمن لا يجد قوت يومه أن لا يخرج شاهراً سيفه، مستخدمين ذلك كشعارات خادعة أتقنوا تسويقها، حتى بدوا كأنهم ثوار ومحور مقاومة لا مشروع سلالي. غير أن ذلك كان مجرد غطاء لخطة مرسومة، حيث مارسوا تقية مذهبية قبل بسط السيطرة، ولم يظهروا حقيقتهم العقائدية واسلوب حكمهم الطائفي إلا بعد تمكنهم. فعقب السيطرة، بدأت ميليشيا الحوثي بإعادة تشكيل المجتمع، عبر فرض رقابة شاملة، وتغيير المناهج الدراسية، وتأسيس مؤسسات تربوية، وقضائية، وأمنية تعمل وفق فكر ولاية الفقيه.

ومثل الإخوان، استخدمت ميليشيات الحوثيون الدين أداة طاعة وولاء، وفرضوا تقديساً علنياً لمن يدعون أنه ابن النبي المختار وعلى رأسهم عبد الملك الحوثي، حيث وصف بـ قائد الأمة، وبدأوا باستخدام مصطلحات مثل الولاية، والعلامة، والهوية الإيمانية، في تأطير سلطوي عقائدي. ولكي لا يعارضهم أحد، فرضوا رقابة دينية وفكرية على المجتمع، وأسسوا جهازاً شبيهاً بـ شرطة فكرية، تتابع المدارس، المساجد، وحتى حفلات الزفاف. وكل معارض يُتهم بالعمالة أو الزندقة والكفر، ويُسجن أو يُخطف أو يُغتال.

واستخدم الحوثيون العنف بشكل أكبر وأوسع، عبر تفجيرات المنازل، وتصفية الخصوم، وإرهاب الصحفيين، وتنفيذ إعدامات سرية. كما فرضوا الزكاة كضريبة مفروضة على الناس، لكنها لا تذهب للفقراء، بل لصندوق الجماعة، لتمويل حروبها (المحهود الحربي). ومن أبرز أدواتهم كذلك، السيطرة الإعلامية من خلال قنوات وإذاعات تنشر خطاب الكراهية، والتطرف الطائفي، والدورات الثقافية العقائدية التي تُفرض على الطلاب، والموظفين، وحتى على عناصر الجيش والأمن.

وفي الجانب الاقتصادي، لا يمكن تجاهل اعتماد الحوثيين على تجارة المخدرات، وتهريب السلاح، بل والتعاون مع شبكات دولية لتمويل أنشطتهم. وقد كشفت تقارير أممية وأمريكية متعددة عن شحنات مخدرات وسلاح مرتبطة بالجماعة، وتُستخدم لتمويل الحروب، أو للنفوذ في دول أخرى. كما استخدموا شبكات تضليل رقمية، تشارك منشورات موجهه موحّدة متبعين استراتيجية قيادة القطيع، بل وتهاجم أي محتوى يعارض الجماعة، بل وتمارس بلاغات منظمة لإغلاق الصفحات المعارضة.

وفي النهاية، يمكن القول إن الجماعتين، رغم تناقض الخلفيات (الإخوان سنة، الحوثيون شيعة)، إلا أن أدواتهم واحدة: الدين في خدمة السياسة، والمؤسسات في خدمة التنظيم، والناس مجرد أدوات للحشد أو التضليل. الفرق أن الإخوان أتقنوا اللباقة الناعمة ظاهرياً والارهاب المنظم في الخفاء، بينما ميليشيا الحوثيون استخدموا الاستعراض المباشر والسيف المكشوف لكن النتيجة واحدة: مصادرة الوعي، وقمع الامة، وتفكيك المجتمعات، وتحويل الشعوب إلى قطيع طائفي متطرف أو حزبي مستغل لا صوت له.

فيديو