كيف تخطت "حضرموت" أصعب الأزمات السياسية والتنموية وواجهت إرهاب القاعدة؟

دراسات وتحليلات - منذ 3 ساعات

عين الجنوب|| سبوتنيك

يحتل إقليم حضرموت في جنوب اليمن موقعا استراتيجيا يمتد من بحر العرب إلى حدود الربع الخالي، ما جعله منطقة ربط بين الخليج والبحر العربي وشرق أفريقيا، ووقوع الإقليم تحت قبضة القاعدة قبل 10 سنوات أظهر خطورة ترك فراغ أمني في منطقة حيوية قريبة من الممرات البحرية الدولية.
نظرا لخطورة وجود القاعدة في تلك المنطقة على الخليج والملاحة الدولية، تنبهت الإمارات لتلك الخطورة ولم تقصر مساعداتها على الجانب التنموي فقط، اعتمدت أبو ظبي استراتيجية شاملة طويلة الأمد في مختلف مناحي الحياة لتحصن المنطقة من تكرار التجربة، وعملت الإمارات بعد المشاركة في تحرير حضرموت من القاعدة على غرس الرفض الجنوبي الواسع للتطرف والإرهاب.
بداية، يقول المحلل السياسي الجنوبي باليمن، صلاح بن لغبر: "كانت اللحظة التي سقطت فيها حضرموت في أيدي تنظيم القاعدة (المحظور في روسيا) في جزيرة العرب نقطة تحول مفجعة في تاريخ اليمن الحديث، ففي ظل حالة الانهيار الأمني التي أعقبت انقلاب الحوثيين (أنصار الله) في صنعاء".
حضرموت والقاعدة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "استغل التنظيم، الذي صنفته الولايات المتحدة كأخطر فروع القاعدة، الفراغ الأمني الاستراتيجي بعدما تجاوز الأمر مجرد سيطرة على مدينة، بل كان استيلاء محكم على أكبر وأهم محافظة في اليمن نتحدث عن محافظة تشكل ثلث مساحة البلاد تقريبا ،ذات موقع استراتيجي لا يقدر بثمن على بحر العرب، بما في ذلك موانئها الحيوية وحقولها النفطية ،ولسنة كاملة، لم تكن حضرموت مجرد معقل للتنظيم، بل أصبحت مصدرا لتمويله، مما سمح له بتحويل ثروات المنطقة إلى وقود للإرهاب العالمي".
اليمن، مساعدات الأمم المتحدة، 

وتابع بن لغبر: "إن المشهد الذي ساد وقتها، كان يعكس فشلا ذريعا للدولة، لكنه يبرز في الوقت نفسه قوة التدخل الإيجابي والفاعل لدولة شقيقة فاعلة وحاسمة في مكافحة الإرهاب ،ففي أبريل/نيسان 2016، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة عملية عسكرية نوعية ومدروسة، ليست مجرد غارة جوية، بل كانت عملية متكاملة الأركان بتدخل فاعل ومدروس ،بدأ هذا التدخل بتدريب وتأهيل قوات محلية، هي "النخبة الحضرمية"، مما يظهر فهما عميقا لضرورة بناء قدرات ذاتية، ثم تكللت هذه الجهود بعملية خاطفة ومحكمة أدت إلى تحرير كامل مدن وموانئ وسواحل حضرموت من قبضة التنظيم".
النخبة الحضرمية
وأشار المحلل السياسي إلى أنه "لم تتوقف جهود الإمارات عند التحرير العسكري ،بعد تحرير المنطقة، تولت الإمارات مسؤولية سد الفراغ، وقدمت دعما شاملا لتمكين "النخبة الحضرمية" من تأمين المحافظة، كما قامت بتقديم الدعم الإغاثي والإنساني، وإعادة بناء وتشغيل المؤسسات الحيوية كالمستشفيات والمدارس ،ومكنت مؤسسات الدولة من العودة والعمل، ووفرت كل الدعم للقوى الأمنية وحتى اليوم هذا التدخل لم يقتصر على الجانب العسكري أو الأمني، بل كان نموذجا شاملا لإعادة بناء الدولة من الرماد".
في نهاية المطاف، يقول بن لغبر: "وقبل أن تتجه الأنظار إلى حضرموت، كان التحدي الأكبر يتمثل في منعها من التحول إلى بؤرة فاشلة تصبح مرتعا للإرهاب ،ومن هنا، يمكنني القول بكل ثقة ووضوح: لولا التدخل الاستراتيجي والإيجابي لدولة الإمارات، لكانت حضرموت قد تلاشت في غياهب المجهول، ومرتعا للإرهاب بكل تنظيماته".


المواجهة الشرسة
من جانبه، يقول أمجد يسلم صبيح، مدير إدارة الإعلام والثقافة بالهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت باليمن: "إن الحديث عن حضرموت لا يمكن فصله عن مسار المواجهة الشرسة مع تنظيم القاعدة، ولا عن واقعها الأمني والاقتصادي الذي عاشه المواطنون لعقود، ولا عن الدور المفصلي الذي لعبته دولة الإمارات في دعم التنمية والاستقرار بالجنوب عامة وحضرموت خاصة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "محطة التحول الكبرى كانت في أبريل/نيسان 2016، حين شهدت حضرموت لحظة فارقة مع تحرير ساحلها والمكلا من قبضة تنظيم القاعدة، بعد أكثر من عام من العزلة والنهب والإرهاب، مؤكدا أن الإمارات لعبت الدور الحاسم في ذلك التحرير من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي، لتثبت أن معركة الإرهاب ليست معركة محلية تخص أبناء الجنوب وحدهم، بل معركة عالمية تهم المجتمع الدولي بأسره".
وأشار صبيح، إلى أنه "من رحم ذلك الانتصار تأسست قوات النخبة الحضرمية بدعم مباشر من الإمارات، لتشكل مشروعا أمنيا حضرميا جنوبيا غير مسبوق ،النخبة الحضرمية لم تكن مجرد تشكيل عسكري، بل قوة نظامية أثبتت للعالم أن الحضارم قادرون على حماية أرضهم، وأن الاستثمار في بناء القدرات المحلية هو السبيل لضمان أمن واستقرار دائم".

واستطرد: "حضرموت اليوم، بواديها وصحرائها وهضبتها وساحلها، تقع في صميم المشروع الجنوبي ،وأن المليونيات التي شهدتها سيئون والمكلا وتريم لم تكن مجرد تجمعات شعبية، بل رسائل سياسية قوية عبرت عن خيار واضح، أن حضرموت تريد أن تكون في قلب الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة، وترفض بوضوح كل المشاريع الأخرى، هذه المليونيات جسدت إرادة حضرمية صلبة تماهت مع الإرادة الجنوبية الجامعة، وأصبحت شاهدا حيا على أن أي محاولة لتزييف أو تجاوز هذه الإرادة محكوم عليها بالفشل".
وقال القيادي الجنوبي: "إن أبناء الوادي لم يكتفوا بالمليونيات بل صعدوا نضالهم الشعبي ضد قوات الاحتلال اليمني المفروضة عليهم منذ عقود، والتي أثبتت فشلها الذريع وتحولت إلى قوة للجبايات بدلا من أن تكون قوة لحماية المواطن وصون كرامته ،إن وجود هذه القوات بات عبئا على حياة الناس وسببا رئيسيا في الفوضى والانفلات الأمني، مما يجعل الانتشار الكامل لقوات النخبة الحضرمية في وادي وصحراء حضرموت ضرورة وطنية ملحة".

وأردف: "تجربة الساحل خير برهان، حيث نجحت النخبة الحضرمية في اجتثاث الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار، ومنحت المواطن شعورا بالطمأنينة والثقة، اليوم لم تعد النخبة مجرد قوة عسكرية، بل أصبحت رمزا للإرادة الشعبية وخيار الناس، والكل يطالب بانتشارها الكامل على أرض حضرموت".
الدور التنموي الإماراتي
وحول الدور التنموي للإمارات في حضرموت والجنوب بشكل عام، يقول صبيح: "بالإضافة إلى الجانب الأمني، كان للإمارات حضور فاعل في إعادة الحياة إلى حضرموت والجنوب عموما، من خلال مشاريع البنية التحتية والخدمات، حيث عملت على إعادة تشغيل الموانئ والمطارات ودعم المستشفيات والمدارس، مشاريع الكهرباء والطاقة المتجددة، وعلى رأسها محطة شبوة للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية 53 ميغاواط ومنظومة تخزين 15 ميغاواط/ساعة، والتي ستوفر الكهرباء المستقرة والنظيفة لأكثر من 330 ألف منزل، ما أحدث تغيير مباشر في حياة الأسر والمدارس والمراكز الصحية".

وأكد صبيح، أن "المشاريع الإماراتية لم تكن مجرد أرقام على الورق، بل كانت تغييرا ملموسا في حياة المواطنين اليومية، وجعلت الناس يرون ثمار الدعم الإماراتي على أرض الواقع".

ولفت صبيح، إلى أن "الإمارات أدركت البعد الإستراتيجي للجنوب باعتباره قلبا حيويا يطل على البحر العربي وخليج عدن وباب المندب، وأن استقراره يعني استقرار الممرات البحرية الدولية التي يمر عبرها جزء كبير من تجارة العالم و نفطه ،لهذا كان الدعم الإماراتي متكاملا بين الأمن والتنمية، ليصوغ ملامح الجنوب الجديد، ويضع حضرموت في موقعها الطبيعي داخل الدولة الجنوبية القادمة".


فيديو