الإغلاق الحكومي الأمريكي يتفاقم… أمريكا بين الجمود السياسي وتجميد المليارات من المشاريع

اقتصاد - منذ 4 أيام

عين الجنوب| بقش:
يدخل مأزق الإغلاق الحكومي يومه الرابع مع استمرار توقف آلاف الموظفين الفيدراليين الأمريكيين عن العمل منذ الأربعاء 01 أكتوبر 2025، نتيجة إغلاق الحكومة بسبب مأزق وانقسام حاد داخل الكونغرس، ليصبح هذا الإغلاق خامس أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1980.


وجاء الإغلاق بعد فشل الديمقراطيين والجمهوريين في التوصل إلى اتفاق حول حزمة الإنفاق الجديدة، إذ يرفض الديمقراطيون تمرير تشريع الإنفاق الذي طرحه الجمهوريون في الكونغرس، قائلين إن أي حزمة تمويل جديدة يجب أن تتضمن توسيع إعانات الرعاية الصحية التي تعود إلى حقبة الوباء والمقرر انتهاؤها في ديسمبر 2025، بينما يصر الجمهوريون على أن هذه المسائل يجب أن تُناقش بشكل منفصل عن مشروع الإنفاق العام.


الإغلاق الحالي الذي دخل يومه الرابع، يأتي بعد سلسلة طويلة من الإغلاقات السابقة، أبرزها إغلاق 2018-2019 الذي استمر 35 يوماً خلال إدارة دونالد ترامب، وإغلاق عام 1995 الذي دام 22 يوماً في عهد بيل كلينتون، وإغلاق عام 2013 الذي استمر 16 يوماً خلال رئاسة باراك أوباما.

جمود سياسي وتراشق بالاتهامات في الكونغرس

وفق تقرير اطلع عليه “بقش” لوكالة بلومبيرغ، رفض الديمقراطيون في مجلس الشيوخ مشروع قانون إنفاق جمهوري للمرة الرابعة على التوالي، ما أدى إلى استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي لليوم الثالث على التوالي، وسط تمسك الطرفين بمواقفهما وتصاعد التهديدات من ترامب بفصل آلاف الموظفين الفيدراليين.

في المقابل، غادر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ واشنطن لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، مما أثار انتقادات حول تفاقم الجمود السياسي، وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى أن النواب الموجودين في مقاطعاتهم “قد لا يعودون الأسبوع المقبل” إذا استمر الشلل في مجلس الشيوخ.

الإغلاق الحالي هو الأول منذ سبع سنوات، ويدور الخلاف الرئيسي حول تمويل إضافي بقيمة 1.5 تريليون دولار ضمن مشروع ديمقراطي لتوسيع برامج الرعاية الصحية، ويصر الديمقراطيون على حماية إعانات “أوباما كير” وإلغاء التخفيضات في برنامج “ميديكيد” الصحي، بينما يرى الجمهوريون أن هذا الإنفاق المفرط سيؤدي إلى مزيد من العجز والتضخم.

ورأى زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز أن “السلوك الانتقامي من ترامب وأتباعه الجمهوريين في إطار هذا الإغلاق لا يؤدي سوى إلى إبراز قسوة هذه الإدارة.


ورغم بوادر الأمل في بداية الأسبوع بوجود اتفاق محتمل، إلا أن تهديدات ترمب السياسية والإدارية فاقمت الانقسام، فبعد لقاء ودي جمعه بجيفريز في المكتب البيضاوي، نشر ترامب مقطع فيديو بتقنية الذكاء الاصطناعي يصور الأخير بطريقة “عنصرية”، ما فاقم التوتر بين الطرفين.

التهديدات الاقتصادية والإدارية تتصاعد

مع تصاعد الأزمة، هدد الجمهوريون بأن استمرار الإغلاق سيؤدي إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، بينما يتهم الديمقراطيون إدارة ترامب بمحاولة استغلال الإغلاق لتقويض المؤسسات الفيدرالية.

السيناتور باتي موراي، رئيسة لجنة الإنفاق في مجلس الشيوخ، قالت إن “أي عمليات تسريح للموظفين خلال فترة الإغلاق سيتم الطعن فيها أمام القضاء”، مشيرةً وفق اطلاع بقش إلى أن القوانين الفيدرالية لا تمنح الرئيس صلاحية فصل الموظفين أو استخدام أموال الدولة أثناء الإغلاق.


كما حذر الديمقراطيون من أن تجميد التمويل في مشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة يهدد آلاف الوظائف ويرفع أسعار المرافق، إذ تعهد مدير مكتب الموازنة راسل فوت بتجميد 20 مليار دولار في مشاريع نيويورك وشيكاغو، إضافة إلى 8 مليارات دولار لمشاريع الطاقة في 16 ولاية ديمقراطية.


ويرى المراقبون أن هذه الخطوات تهدف إلى الضغط السياسي على الديمقراطيين داخل الكونغرس.

وقدم مايك جونسون “بادرة حسن نية” بالدعوة إلى التفاوض حول “أوباما كير” بعد إعادة فتح الحكومة، لكن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثيون قال إنه “لا يستطيع تقديم أي وعود” لتمرير تمديد الإعانات.

ويحتاج الجمهوريون إلى خمسة أصوات ديمقراطية إضافية لتجاوز العرقلة، بينما أيد ثلاثة فقط مشروع الإنفاق حتى الآن.

ورغم وجود محادثات غير رسمية بين الحزبين، إلا أن التقدم كان محدوداً، بحسب السيناتور الجمهوري مايك راوندز، الذي قال إن استمرار الخلاف “سيضيف مزيداً من الوقود للنار” بعد عودة النواب للانعقاد الأسبوع المقبل.

ويركز الجمهوريون على كسب دعم الديمقراطيين المعتدلين من الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، نيوهامبشر، أريزونا، ونيفادا، لكن الديمقراطيين يؤكدون أنهم لن يقبلوا بـ”وعود فارغة” من إدارة ترامب.

البيت الأبيض يجمّد 2.1 مليار دولار إضافية في “شيكاغو”

وفي تصعيد جديد، أعلن مدير مكتب الإدارة والميزانية راسل فوت، يوم أمس الجمعة، أن الحكومة الأمريكية علقت 2.1 مليار دولار من مشاريع البنية التحتية في شيكاغو، تشمل تمديد الخط الأحمر لمترو الأنفاق ومشروع التحديث الأحمر والأرجواني، وبرّر فوت القرار بأنه لضمان “عدم تدفق التمويل عبر التعاقد القائم على العرق”.

كما جمدت إدارة ترمب 18 مليار دولار من مشاريع النقل الكبرى في نيويورك، من بينها مشروع نفق هدسون ومترو أنفاق الجادة الثانية، إضافة إلى 8 مليارات دولار لمشاريع الطاقة في 16 ولاية يقودها الديمقراطيون مثل كاليفورنيا ونيويورك.

وألغت إدارة بايدن السابقة في أيامها الأخيرة منحتين بقيمة ملياري دولار لتمديد الخط الأحمر في شيكاغو لخدمة الأحياء ذات الأغلبية السوداء.

وقال فوت إن هذه الإجراءات تأتي ضمن سلسلة جهود تهدف إلى الضغط على المشرعين الديمقراطيين في ظل الإغلاق الحكومي المستمر منذ منتصف ليل الأربعاء.

وزارة الزراعة الأمريكية حذرت من أن الإغلاق يمنعها من معالجة سداد 300 مليون دولار مستحقة لمشاريع مترو الأنفاق.

ويحذر خبراء النقل من أن أي فشل في نفق هدسون الحالي -الذي تضرر منذ إعصار ساندي عام 2012- قد يشل حركة التنقل في منطقة مسؤولة عن 10% من الناتج الاقتصادي للولايات المتحدة.

تكشف التطورات الأخيرة أن الإغلاق الحكومي الأمريكي لعام 2025 لا يمثل مجرد خلاف مالي، بل مواجهة سياسية مفتوحة بين إدارة ترامب الجديدة والديمقراطيين، حيث يستخدم كل طرف أدوات الضغط المتاحة له -من التمويل إلى الرعاية الصحية إلى البنية التحتية- لتسجيل نقاط انتخابية قبل انتخابات منتصف الولاية 2026.

ومع مغادرة المشرعين واشنطن واستمرار تجميد المليارات من المشاريع، يبدو أن البلاد تتجه نحو أزمة ممتدة تهدد الاقتصاد والخدمات العامة، فيما يدفع المواطن الأمريكي ثمن التجاذبات الحزبية التي لا تنتهي."

فيديو