الجنوب والنقد البنّاء تصحيح المسار وإصلاح الاختلالات

دراسات وتحليلات - منذ 1 ساعة

عين الجنوب || خاص   

في خضم التحولات السياسية والأمنية التي يعيشها الجنوب، لم يعد النقد البنّاء رفاهية سياسية أو ترفاً فكرياً، بل أصبح ضرورة وطنية تفرضها تعقيدات المرحلة وحجم التحديات. فالمشروع الوطني الجنوبي، الذي حقق حضوراً لافتاً في السنوات الأخيرة، يحتاج إلى مراجعة دائمة وتقييم مستمر يحصّن مكتسباته، ويعيد ضبط اتجاهه كلما اعترضته اختلالات أو انحرافات في المسار.

يتعامل كثير من الجنوبيين مع النقد باعتباره طعناً أو محاولة للنيل من القضية، بينما الحقيقة أن النقد الصادق والمسؤول هو أعلى درجات الانتماء، لأنه لا يصدر إلا ممن يحرص على سلامة الطريق وصحة القرار. فالدول والمشاريع الكبرى لا تنهض بالتصفيق، ولا تتقدم بالشعارات وحدها، بل بحيوية النقاش، وتعدّد الآراء، وتقبّل الملاحظات التي تكشف مكامن الخلل وتحفّز على الإصلاح.

لقد حقق الجنوب خطوات مهمة في البناء المؤسسي، وتثبيت الأمن، وتعزيز حضور قضيته في الإقليم والعالم، إلا أن هذا لا ينفي وجود تحديات واضحة تحتاج إلى معالجات جريئة. فالإدارة في بعض المناطق ما زالت تعاني من ترهلات وهيمنة شبكات مصالح واقتصاد نفوذ، كما أن خدمات الكهرباء والمياه والمرتبات ما تزال تُختبر كأحد أكثر الملفات إلحاحاً لدى المواطن. وفي جانب آخر، لا يزال الأداء الإعلامي والسياسي بحاجة إلى تطوير يوازي حجم الطموح الجنوبي ويعكس نضج قضيته.

هنا يبرز دور النقد البنّاء، الذي لا يكتفي بتشخيص الأخطاء، بل يطرح البدائل الواقعية ويعزز ثقافة المحاسبة والشفافية. فالاعتراف بالخلل هو أول خطوات التصحيح، ومصارحة الذات تسبق مواجهة الخصوم. كما أن إشراك المجتمع في تقييم الأداء يمنح المؤسسة الجنوبية قوة إضافية ويخلق جسور ثقة متبادلة، لأن الناس حين يشعرون بأن صوتهم مسموع يصبحون شركاء في النجاح لا متفرجين عليه.

إن الجنوب اليوم أمام لحظة فارقة تحتاج إلى وعي سياسي عميق، وإلى نقل النقد من دائرة الاتهام إلى فضاء الحوار، وإلى تحويله من معول هدم إلى أداة بناء. ولا يكتمل ذلك إلا بإرادة قيادية تتقبل الرأي الآخر، وإعلام يواكب الأحداث بموضوعية، ونخب اجتماعية وسياسية تضع الوطن فوق الأشخاص والمصلحة العامة فوق الحسابات الضيقة.

ويبقى الوضوح الأهم: إن تصحيح المسار ليس اعترافاً بالفشل، بل تأكيد على قوة المشروع وقدرته على مراجعة ذاته وتطوير مؤسساته وحماية منجزاته. فالقضية الجنوبية أكبر من أي فرد أو جهة، والنقد البنّاء هو صمام الأمان الذي يضمن استمرارها في الاتجاه الصحيح مهما تعاظمت التحديات.

فيديو