تحليل : اليمن على مفترق الاقليم : مشروع الحوثي في العربية اليمني وصعود الدولة الجنوبية كمعادلة أمنية جديدة

تقارير - منذ ساعتان

عين الجنوب ||خاص    

أعاد تقرير تحليلي نشرته منصة Fair Observer الدولية رسم ملامح الصراع في اليمن من زاوية مختلفة عمّا اعتادته التغطيات الغربية، كاشفًا عن تحوّل عميق في طبيعة المواجهة وتوازنات القوى، حيث لم يعد المشهد يُقرأ بوصفه نزاعًا داخليًا على السلطة داخل دولة واحدة، بل صراعًا مفتوحًا بين مشروعين متناقضين تتجاوز تداعياتهما حدود اليمن إلى عمق الأمن الإقليمي والدولي.
ويُبرز التقرير أن أحد هذين المشروعين يتمثل في جماعة الحوثي، التي باتت تُقدَّم كقوة عابرة للحدود ومرتبطة بالمحور الإيراني، تعتمد على التسليح النوعي والتموضع البحري وخطاب توسعي تصاعدت حدّته مع انتقال التهديد من الداخل اليمني إلى الممرات البحرية الدولية، وفي مقدمتها البحر الأحمر وباب المندب. هذا التحول، وفق القراءة التحليلية، جعل من الصراع اليمني عامل ضغط مباشر على أمن الملاحة العالمية وخطوط الطاقة، وأخرج الأزمة من إطارها المحلي إلى ساحة اشتباك إقليمي مفتوح.
في المقابل، يقدّم التقرير الجنوب العربي بوصفه مشروعًا سياسيًا وجغرافيًا مختلفًا، يستند إلى واقع سكاني وجغرافي محدد، وقدرة فعلية على بسط الأمن وإدارة الأرض في المحافظات المحررة. ويشير إلى أن هذا الحضور لم يكن وليد لحظة سياسية، بل نتاج مسار تراكمي فرض نفسه مع انهيار مؤسسات الدولة المركزية وتآكل دور ما يُعرف بالسلطة الشرعية، التي عجزت عن أداء وظائفها الأساسية وملء الفراغ المتسع في الحكم والإدارة.
ويرصد التقرير أن توسع الحوثيين لم يكن نتيجة شرعية سياسية أو قبول وطني، بل نتيجة مباشرة لفراغ الحوكمة، في وقت برز فيه الجنوب كقوة قادرة على سد هذا الفراغ. وفي هذا السياق، يلفت التحليل إلى صعود المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة أمر واقع منظمة، نجحت في بناء مؤسسات أمنية وإدارية، وفرض سيطرة مؤسسية على الأرض، في مقابل فشل المسارات الأممية والدبلوماسية في إنتاج حل سياسي مستدام أو نموذج حكم قابل للحياة.
ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك حين يقرّ، بشكل ضمني، بأن معادلات الأمن الإقليمي لم تعد قابلة للبناء على افتراضات نظرية أو كيانات عاجزة عن التنفيذ. فحماية الملاحة الدولية وأمن الطاقة، كما يعكس التحليل، تتطلب شريكًا يمتلك سلطة فعلية وقدرة عملية على ضبط السواحل والمنافذ البحرية. ومع سيطرة الجنوب على شريط ساحلي استراتيجي، وبنائه لأجهزة أمنية فاعلة، ونجاحه في مكافحة الإرهاب وشبكات التهريب، بات يُنظر إليه كفاعل قادر على حماية المصالح الإقليمية والدولية، لا مجرد طرف محلي في نزاع أهلي معقّد.
ورغم أهمية ما يطرحه التقرير من معطيات وتحولات، إلا أنه يتوقف عند حدود التحليل دون أن يصرّح بالنتيجة المنطقية التي تقود إليها مقدماته، والمتمثلة في أن مسألة الاعتراف بدولة الجنوب العربي الاتحادية لم تعد مجرد مطلب سياسي، بل خيارًا واقعيًا لمعالجة الفراغ البنيوي الذي تستغله المشاريع التوسعية والتنظيمات المتطرفة، وإعادة ضبط مفهوم الشرعية على أسس قابلة للتطبيق والتنفيذ.
وتخلص القراءة الجيوسياسية للتقرير إلى أن الصراع الدائر اليوم لم يعد صراعًا على السلطة في اليمن، بل صراعًا على شكل الجغرافيا السياسية للإقليم بأسره. وفي ظل انهيار نموذج الدولة اليمنية، وتصاعد تهديد الملاحة الدولية، وتمدد المشروع الإيراني عبر أدوات محلية، فإن الاستمرار في التعامل مع الجنوب كحالة انتقالية مؤقتة لم يعد واقعيًا. السؤال الذي يفرض نفسه، كما تعكسه هذه القراءة، لم يعد ما إذا كان الجنوب سيعود إلى واجهة المشهد، بل كيف يمكن دمج هذا الواقع القائم في بنية أمن إقليمي مستقرة تمنع انفجار الصراع، وتحمي المصالح الدولية في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.

فيديو