التلويح بالمليشيات كورقة ضد الجنوب: إفلاس سياسي وإنحدار أخلاقي

تقارير - منذ 3 ساعات

خاص|| عين الجنوب:
لم يعد خافيًا على أحد أن بعض الأطراف السياسية، كلما ضاقت بها الخيارات وفشلت في قراءة الواقع، تلجأ إلى أسوأ الأدوات وأكثرها خطورة: التلويح بالمليشيات واستخدامها كورقة ضغط وابتزاز ضد الجنوب. هذا السلوك لا يمكن وصفه إلا بأنه إفلاس سياسي صريح، وانحدار أخلاقي يعكس عجزًا فكريًا وعقمًا في الرؤية، قبل أن يكون مجرد خطأ في التقدير.
فالسياسة، في جوهرها، إدارة مصالح وصياغة حلول، وليست استدعاءً للفوضى أو التهديد بالعنف. وعندما يتحول الخطاب السياسي إلى تلميح بالمليشيات أو التهديد بها، فإن ذلك يعني أن أصحاب هذا الخطاب قد فقدوا القدرة على الإقناع، وفشلوا في تقديم مشروع وطني جامع، ولم يبقَ في جعبتهم سوى لغة القوة الرخيصة التي لا تنتج إلا مزيدًا من الدمار والانقسام.
إن الجنوب، بما راكمه من تضحيات وبما حققه من استقرار نسبي وإدارة واقعية على الأرض، لم يعد ساحة سهلة للابتزاز أو ورقة قابلة للحرق في صراعات الآخرين. والتلويح بالمليشيات ضد إرادة شعبه لا يُعد فقط استهدافًا سياسيًا، بل هو طعن صريح في القيم الأخلاقية، واستخفاف بدماء الأبرياء، ومحاولة مكشوفة لإعادة إنتاج الفوضى بعد أن لفظها الشارع الجنوبي.
الأخطر من ذلك أن هذا النهج يكشف عن استهانة فاضحة بمفهوم الدولة نفسها. فالدولة تُبنى بالمؤسسات والقانون والشراكة، لا بالمليشيات والتهديدات. ومن يلوّح بالسلاح خارج إطار الدولة إنما يعلن، بشكل غير مباشر، عداءه لفكرة الدولة، حتى وإن تستّر بشعارات الشرعية أو الوحدة أو المصلحة الوطنية.
كما أن هذا الخطاب يعكس أزمة أخلاقية عميقة؛ إذ كيف يمكن لمن يدّعي الحرص على الوطن أن يهدد بالفوضى والاقتتال؟ وكيف لمن يتحدث باسم السياسة أن يستقوي بالمليشيات، وهو يعلم أن أول ضحاياها هم المدنيون والاستقرار الاجتماعي؟ إن مثل هذه الممارسات لا تُدين الجنوب ولا خياراته، بل تفضح أصحابها وتعرّي مشاريعهم الهشة.
لقد أثبتت التجارب أن الجنوب، كلما تعرض للضغط والتهديد، ازداد تماسكًا ووضوحًا في خياراته. وأن محاولات إخضاعه بلغة المليشيات لم تنتج إلا فشلًا ذريعًا، وزادت من قناعة الجنوبيين بعدالة قضيتهم وضرورة حماية مكتسباتهم السياسية والأمنية.
في المحصلة، فإن التلويح بالمليشيات كورقة ضد الجنوب ليس مجرد خطأ سياسي عابر، بل هو إعلان إفلاس كامل، سياسيًا وأخلاقيًا. وهو دليل على أن من يمارسه قد وصل إلى طريق مسدود، ولم يعد يمتلك لا مشروعًا ولا رؤية، سوى الهروب إلى الأمام عبر تهديد السلم واستدعاء الفوضى. والجنوب، الذي خبر هذه الأساليب جيدًا، يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مستقبله لا يُصان إلا بالوعي، ووحده ابناؤه والتمسك بخيار الدولة والنظام، بعيدًا عن منطق المليشيات والانحدار الأخلاقي.

فيديو