الإرهاب والإخوان وجهان لعملة واحدة.. ومأرب الشاهد الحي

تقارير - منذ 4 ساعات

خاص || عين الجنوب 
لم تعد محافظة مأرب مجرد ساحة صراع عسكري أو نقطة تماس سياسي، بل تحولت مع مرور الوقت إلى شاهد حي على طبيعة العلاقة المركبة بين الإرهاب المنظم ومناطق نفوذ جماعة الإخوان ممثلة بحزب الإصلاح. فكل واقعة أمنية كبرى، وكل ضربة جوية تستهدف عناصر نوعية في تنظيم القاعدة، تعيد طرح السؤال ذاته: كيف تنشط هذه التنظيمات، وتتحرك قياداتها، وتطوّر قدراتها النوعية، في مناطق يفترض أنها خاضعة لسلطة “شرعية” وأجهزة أمنية قائمة؟
الضربة الجوية الأمريكية التي استهدفت خبير الطائرات المسيّرة في تنظيم القاعدة باليمن، كمال الصنعاني، بالقرب من منطقة الحصون في مأرب، لم تكن حدثًا عابرًا ولا تفصيلًا معزولًا. فالمكان الذي قُتل فيه القيادي الإرهابي يفضح البيئة التي احتضنته، ويكشف بوضوح أن مناطق نفوذ الإصلاح لم تعد مجرد ملاذ مؤقت، بل تحولت إلى حاضنة نشطة لقيادات القاعدة وداعش، ومسرح آمن لتخطيط العمليات وتطوير القدرات.
وجود شخصية قيادية متخصصة في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة داخل مأرب، ولفترة غير قصيرة، يؤكد أن التنظيمات الإرهابية لا تتحرك في فراغ، ولا تعمل بمعزل عن منظومة حماية معقدة. فمثل هذه العناصر لا يمكنها البقاء والتنقل والعمل دون غطاء أمني، أو على الأقل دون تسهيلات مباشرة وغير مباشرة، توفرها قوى مسيطرة على الأرض. وهنا تتقاطع خطوط النفوذ، وتتداخل الأدوار، ليظهر بوضوح أن الإصلاح لم يكن يومًا خصمًا حقيقيًا للإرهاب، بل شريكًا موضوعيًا في استمراره.
وتكشف الوقائع المتكررة عن تطابق لافت في البُنى التنظيمية والعقائد القتالية بين مليشيات الإصلاح والتنظيمات الإرهابية. فالأدوات واحدة، والكوادر غالبًا ما تنتقل بين هذه التشكيلات، والخطاب الأيديولوجي يقوم على ذات المنطلقات الإقصائية والعنيفة. هذا التطابق لا يعكس مجرد تشابه فكري، بل يؤشر إلى علاقة عضوية تجعل من الإرهاب ذراعًا غير معلنة تُستخدم عند الحاجة، أو تُترك لتعمل حين تتقاطع المصالح.
وحيثما يفرض الإصلاح نفوذه، تسود الفوضى الأمنية، وتنهار منظومة إنفاذ القانون، وتتحول المؤسسات الرسمية إلى هياكل شكلية بلا سلطة فعلية. في هذا المناخ، تجد القاعدة وداعش البيئة المثالية للنمو وإعادة التموضع، مستفيدة من غياب المحاسبة، وتعدد مراكز القوة، وازدواجية القرار الأمني. مأرب، في هذا السياق، لم تعد نموذجًا للاستقرار كما يُروَّج، بل عقدة إرهاب حقيقية، تتجمع فيها القيادات، وتُدار منها شبكات عابرة للمحافظات والحدود.
ولا تقتصر خطورة هذا الواقع على الداخل اليمني فحسب، بل تمتد لتشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة والملاحة الدولية. فخبراء الطائرات المسيّرة في تنظيم القاعدة، الذين يعملون من مناطق نفوذ الإصلاح، يسهمون في تطوير أدوات تهدد الممرات البحرية والمنشآت الحيوية، وهو ما يفسر تصاعد الضربات الأمريكية في هذه الجغرافيا تحديدًا. هذه الضربات ليست اعتباطية، بل مبنية على قناعة استخباراتية راسخة بأن الإرهاب يعيش ويتحرك بأمان حيث يحكم الإصلاح.
كما أن ارتباط القيادي المستهدف بشبكات العمليات الخارجية للتنظيم يؤكد أن مأرب ليست مأوى لعناصر هامشية، بل مركز ثقل لقيادات فاعلة ومؤثرة، تعمل ضمن شبكات محمية، وتستفيد من واقع سياسي وأمني مختل. وهو ما ينسف أي ادعاءات بالإدارة الرشيدة أو السيطرة الأمنية، ويضع علامات استفهام كبيرة حول طبيعة الدور الذي يلعبه الإصلاح في هذا المشهد.
إن تكرار الضربات الأمريكية في مناطق نفوذ الإصلاح يبعث برسالة لا لبس فيها: تجفيف منابع الإرهاب لا يمكن أن يتحقق ما لم يتم تفكيك الحاضنة التي توفر له الغطاء والحماية. ومأرب، بكل ما شهدته وتشهد عليه اليوم، تقدم الدليل الأوضح على أن الإرهاب والإخوان وجهان لعملة واحدة، وأن إخراج الإصلاح من المشهد الأمني بات شرطًا أساسيًا لأي مسار جاد نحو الاستقرار ومواجهة الإرهاب في اليمن والمنطقة.

فيديو