الجنوب واقع لا يُكذَّب.. دولة اكتملت أركانها وتطرق أبواب الاعتراف

تقارير - منذ 3 ساعات

خاص||عين الجنوب    

لم يعد الجنوب مشروعًا قيد التشكل، ولا حلمًا مؤجلًا تُراوح مكانه الشعارات، بل بات واقعًا سياسيًا وميدانيًا مكتمل الملامح، يفرض نفسه بقوة الحقائق لا بضجيج الخطابات. فما تحقق على الأرض خلال السنوات الماضية تجاوز مرحلة المطالبة والانتظار، وانتقل إلى مرحلة البناء الفعلي للدولة، بكل ما تعنيه الكلمة من مؤسسات، وقدرة، وسيادة قرار.
لقد اكتملت أركان الدولة الجنوبية عمليًا، قبل أن يُعلن عنها رسميًا. فالجنوب اليوم يمتلك مؤسسة عسكرية وأمنية منظمة، أثبتت قدرتها على حماية الأرض، ومواجهة الإرهاب، وضبط الأمن، وتأمين المدن والموانئ وخطوط الملاحة. هذه المؤسسات لم تُبنَ في فراغ، بل نشأت من رحم معركة وجود، وصقلتها التجربة، ومنحتها الشرعية الشعبية التي لا تقل أهمية عن أي اعتراف خارجي.
إلى جانب ذلك، تشكّلت مؤسسات مدنية وإدارية تدير شؤون الناس، وتقدّم الخدمات، وتحافظ على الاستقرار في بيئة إقليمية شديدة التعقيد. ورغم شح الموارد وكثرة الاستهداف، نجح الجنوب في إثبات أنه قادر على إدارة نفسه بنفسه، وأنه الأكثر جاهزية مقارنة بغيره لتحمّل مسؤولية الدولة. هذه الحقيقة باتت واضحة حتى لخصوم المشروع الجنوبي، وإن أنكروها علنًا.
أما على الصعيد السياسي، فقد خرج الجنوب من دائرة التهميش إلى قلب المعادلة. لم يعد رقماً ثانويًا يُستدعى عند الحاجة، بل طرفًا حاضرًا في المشاورات والحوارات والملفات الحساسة. المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يمثله من حاضنة شعبية وتنظيم سياسي، استطاع أن ينقل القضية الجنوبية من مستوى الصوت المحلي إلى مستوى الاهتمام الإقليمي والدولي، مستندًا إلى واقع ملموس لا إلى وعود نظرية.
الإعلام الجنوبي بدوره لعب دورًا محوريًا في تثبيت هذا الواقع، وكسر الرواية الواحدة، ونقل صورة الجنوب كما هي: شعب منظم، قضية عادلة، ومشروع دولة قابل للحياة. ومع تطور الخطاب الإعلامي وتراكم التجربة، أصبح الجنوب قادرًا على مخاطبة الداخل والخارج بلغة سياسية مسؤولة، تعكس نضج المرحلة واقتراب لحظة الحسم.
كل هذه المعطيات جعلت الاعتراف بالجنوب مسألة وقت، لا أكثر. فالمجتمع الدولي، وإن تحرك ببطء، لا يتعامل مع الفراغ، بل مع الوقائع. والجنوب اليوم ليس فراغًا سياسيًا ولا جغرافيًا، بل كيانًا قائمًا يسيطر على أرضه، ويدير مؤسساته، ويمتلك قوة تحمي قراره. وهذه هي الشروط الجوهرية لأي دولة تسعى للاعتراف الدولي.
الأهم أن هذا التقدم لم يأتِ على حساب الإرادة الشعبية، بل كان تجسيدًا لها. فالشعب الجنوبي، الذي صمد في وجه الحروب والمؤامرات، بات اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى جني ثمار نضاله. وما كان يُوصَف بالأمس بالمستحيل، أصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
إن الجنوب، بكل ما راكمه من قوة وتنظيم وشرعية، لم يعد قابلًا للإنكار أو الإلغاء. لقد أصبح حقيقة قائمة، ودولة تنتظر لحظة الإعلان لا لحظة التكوين. ومن يتجاهل هذا الواقع، إنما يتجاهل مسار التاريخ نفسه، لأن الدول لا تُولد بالبيانات وحدها، بل تُصنع على الأرض… والجنوب قد صُنع.

فيديو