إلى أين ستقود التحركات السعودية في حضرموت؟ التحليلات

دراسات وتحليلات - منذ 1 سنة

عين الجنوب: أواخر  مايو الفائت، توجّهت شخصيات حضرمية إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية على متن طائرة عسكرية، وهي تضم لأول مرة وفوداً من القبائل والشخصيات المحلية والسياسية من محافظة حضرموت بهذا الحجم. تزامن وجود الشخصيات الحضرمية في الرياض مع عقد أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي لقاءات موسعة في المكلا وسيئون مع شخصيات من المحافظة ذات وزن ثقيل، وبحضور أعضاء مجلس القيادة الرئاسي "عيدروس الزبيدي"، و"فرج البحسني". ذلك أتى مباشرة بعد زيارة "الزبيدي" لمحافظة حضرموت، استكمالاً لتعزيز وحدة الصف الجنوبي، في ظل مؤشرات عن قرب مسار تسوية سياسية بعد أشهر من هدنة الأمر الواقع، وفي ظل تفاعلات التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. على مدى الأيام اللاحقة، عقد الوفد جلسات نقاشية توزعت على محاور سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، برئاسة محافظ حضرموت المعين من قبل مجلس القيادة الرئاسي في يوليو الماضي، "مبخوت بن ماضي". ورغم أهمية أن يجتمع الحضارم لبلورة رؤية موحدة تعبّر عن وضع المحافظة وأهمية حمايتها من كل التحديات التي تتعرض لها، بما في ذلك ملف مكافحة الإرهاب، غير أن اللقاءات الحضرمية لم تُسفر عن أي نتائج أو مخرجات واضحة تعبّر عن موقف مشترك لمستقبل حضرموت أو تعمل على تأصيل وضع المحافظة في ظل الصراع الحالي أو بعده، وإذا ما كانت تتفق مع رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي في استقلال جنوب اليمن عن الشمال ضمن دولة فيدرالية جنوبية مستقلة. مسألة الحسم هذه لا تقتصر على القيادات الحضرمية فقط، فمازال الأعضاء الجنوبيون الأربعة في مجلس القيادة الرئاسي، لم يستطيعوا بلورة رؤية مشتركة في ملف قضية الجنوب للدخول بها ضمن التسوية المرتقبة في اليمن. جدير بالملاحظة، أنّ حضرموت كبرى محافظات جنوب اليمن، ظلّت لوقت طويل تنأى بنفسها عن تقديم مبادرات أو مشاريع متعلقة بمستقبل البلاد أثناء فترة الصراع، سوى تصريحات تصدر من وقت لآخر من بعض الأصوات ذات التأثير المحدود؛ للحديث عن خصوصية حضرموت، ومدى أهمية أن يكون لها رؤية ومشروع مستقل عن بقية المشاريع الأخرى الموجودة على الساحة اليمنية. تبعاً لذلك، يتهم كثير من الجنوبيين بعض الأحزاب اليمنية وفي مقدمتها "حزب الإصلاح الإسلامي"، بمحاولتها استغلال تاريخ حضرموت وإرثها للتحدث باسمها وتمثيلها في كل محفل، كما أنها، في الوقت الذي تحارب فيه مطالب الجنوبيين سياسياً وإعلامياً فيما يتعلق بقضية استقلالهم عن الشمال، هي تحاول عبر نفس الوسائل؛ فصل حضرموت عن الجنوب وصناعة مظالم حضرمية وقضية مستقلة عن قضية الجنوب. لطالما عبّر عدد كبير من الأصوات الحضرمية عن رغبتهم بالبقاء ضمن إطار المشروع الوطني الجنوبي، كون حضرموت كانت جزءًا من اليمن الجنوبي قبل دخوله وحدة مع اليمن الشمالي عام 1990. من الواضح أنّ وصول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وأعضاء هيئة رئاسته إلى المكلا عاصمة حضرموت، بالتزامن مع انعقاد أعمال الدورة السادسة للجمعية الوطنية التابعة للمجلس الانتقالي التي يرأسها "أحمد بن بريك"، وبعد نجاح اللقاء التشاوري الجنوبي في العاصمة عدن مطلع مايو، أثار ردود فعل غاضبة من قبل مناوئي الانتقالي الجنوبي على مستوى الداخل والخارج، في ظل تحقيق الأخير نجاحات خلقت تأثيراً سياسياً كبيراً في المحافظة، وهو ما أدى لشعور عام بأنّ الانتقالي سيسحب البساط من القوى التي ظلت تسيطر على القرار الحضرمي لوقت طويل، لاسيّما وأن التواجد العسكري للقوات الجنوبية التابعة للانتقالي كان كبيراً، وفي ظل استمرار رفض قوات المنطقة العسكرية الأولى المغادرة من وادي وصحراء حضرموت، وتسليم المنطقة لقوات جنوبية. ما غاية الرياض؟  في 8 مايو الفائت، تسلّمت السلطة المحلية في محافظة حضرموت مطار الريان الدولي في المكلا، بتوجيهات من رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي "وفي سياق التنسيق مع قيادة التحالف العربي"، بعد تواجد إماراتي ارتبط بملف مكافحة الإرهاب منذ 2016. اللافت للأمر، أن خطوة تسليم المطار تزامنت مع تحركات سعودية في المحافظة بحضور قيادات عسكرية سعودية رفيعة المستوى. مما يُفهم أن الرياض تريد تقليص النفوذ الإماراتي في المحافظة، رغم أن جزء من القوات الإماراتية لا تزال موجودة في المطار حتى بعد تسليمه للسلطة المحلية وفقا  لمصادر أمنية خاصة بمركز سوث24. كما جاءت الخطوة بالتزامن مع عقد اللقاء التشاوري الجنوبي في العاصمة عدن، ومع إعلان الانتقالي الجنوبي نيته عقد دورته السادسة للجمعية الوطنية في حضرموت. في حقيقة الأمر، الاهتمام السعودي بحضرموت قديم، وقد ساعد تأثير رجال الأعمال السعوديين من أصل حضرمي في هذا الربط منذ عقود، خاصة وأن معظمهم يدعم الموقف الحضرمي الداعي لخصوصية المحافظة وأن يبقى لها وضع مستقل بعيداً عن أي استقطاب سياسي. كما أنّ الاهتمام يندرج ضمن مصالح السعودية الاستراتيجية مع المحافظة الحدودية التي ترتبط معها بمساحة شاسعة تقدر بحوالي (700) كيلو متر، أي نصف حدود اليمن مع المملكة. ويبدو أنّ الاهتمام انقطع في آخر عهد الملك عبدالله وبداية عهد الملك سلمان، غير أنّه في ظل احتدام الصراع بين قوى النفوذ المحلية، وبالذات بين القوى التابعة للإخوان المسلمين في المنطقة العسكرية الأولى بالوادي والصحراء، وبين القوات التابعة للنخبة الحضرمية والمجلس الانتقالي في مديريات الساحل. أدت إشكالية التنازع على السلطة والانقسام بين القوى المحلية والمحسوبة على أطراف إقليمية، إلى تحفيز السعودية على السعي لفرض وجودها على الجميع في حضرموت، مستغلة مشروعية تدخلها في البلاد، طالما أنّ مصير المحافظة لم يحسم بعد لصالح طرف ما. ويبدو أنّ الرياض سترغب بتحقيق المطالب الحضرمية، عبر إحلال قوات حضرمية لإدارة الشأن الأمني والعسكري، بشرط أن تكون موالية لها بشكل كلي، من منطلق تأمين حدودها مع المحافظة بدرجة رئيسية. من أجل ذلك تدعم السعودية لقاءات المكونات الحضرمية على أراضيها، وبالذات القوى المناوئة للتواجد الإماراتي في المحافظة، ذلك بدا واضحاً من خلال استبعاد المكونات الحضرمية التي تتفق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، من المشاركة في أعمال اللقاء التشاوري الذي قاده المحافظ بن ماضي. تأتي محاولة السعودية لفرض وجود لها في حضرموت عبر قوى تابعة، بهدف إعادة توازناتها العسكرية على الأرض بعد أن كانت تفتقد لذلك خلال سنوات الصراع، وإضعاف موقف قيادة الانتقالي في المحافظة، خاصة وأن بعض القيادات الحضرمية، تنسجم مع خطاب القوى اليمنية، خصوصا المرتبطة بحزب الإصلاح الإسلامي، وتسعى للذهاب للمفاوضات النهائية بشكل مستقل عن الموقف الجنوبي بهدف إضعافه في المفاوضات النهائية، والحيلولة دون نجاح مشروع المجلس الانتقالي بإعلان دولة مستقلة في الجنوب. بالتبعية، قد يؤدي ذلك إلى تقوية موقف رئيس مجلس القيادة "رشاد العليمي"، لا سيّما إن تم إحلال قوات المنطقة العسكرية الأولى بقوات "درع الوطن" التي شكّلها بدعم من السعودية. وعلى الرغم من أنّ انضمام عضو المجلس الرئاسي، اللواء فرج البحسني للمجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرا، سيضاعف من قدرة ونفوذ المجلس داخل المحافظة عسكريا وسياسيا وشعبيا، إلا أنّ ملف وادي حضرموت، هو معضلة، من شأن عدم تحييدها أنّ تؤثر على المدى المنظور على قدرة توافق الجنوبيين في تقديم وفد تفاوضي موّحد بشأن عملية السلام المحتملة. وليس من الواضح بالضبط ما المصلحة السعودية في إبقاء هذا الوضع قائما بهذه الصورة. بالنسبة لحزب الإصلاح الإسلامي، قد يقبل برحيل القوات الشمالية من وادي حضرموت، طالما والقوى التي سيتم إحلالها ليست قوى محسوبة على الإمارات بصورة مباشرة. خاصة وأن مصير قوات المنطقة الأولى بحضرموت لن يؤدي سوى إلى نتيجتين: إما رحليها، وإما دخولها في صدام خاسر مع المجتمع الحضرمي والجنوبي. حتى الآن، لا يبدو موقف السعودية واضحاً من مسألة الوحدة أو فك الارتباط، لكن من السهل أن تؤثر وجهة النظر السعودية على الشارع الحضرمي في ظل فرض نفوذها عبر قوى موالية إن حسمت موقفها من القضية. في حقيقة الأمر، لا يمكن أن يذهب الجنوب إلى خيار فك الارتباط بدون حضرموت، والتي يبدو أنّ الأخيرة هي من ستقرر مصير جنوب اليمن في نهاية المطاف. لكن يبقى السؤال، هل الإمارات قادرة على إبقاء ولاء المنطقة العسكرية الثانية لها في الساحل الحضرمي بقيادة "فائز التميمي" الذي تمت دعوته هو الآخر لأبوظبي مؤخراً؟ كما أنّ السؤال الأكثر إلحاحاً، هل مازال هناك "تحالف" في اليمن، في ظل أنّ السعودية باتت تعمل الآن بعيداً عن الإمارات؟   الموقف الغربي  خلال الأعوام الأخيرة، طرقت دول غربية أبواب حضرموت كثيراً، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إذ كانت ترسل سفراءها لزيارة المحافظة بشكل دوري. وفي 31 مايو الفائت، شملت النقاشات الحضرمية في السعودية وجود سفراء أوروبيين يجتمعون للمرة الأولى مع الوفد الحضرمي، في اهتمام واضح بالمحافظة. وقد ذكرت بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، بأن سفراء الاتحاد الأوروبي أجروا نقاشاً جيداً مع المحافظ "بن ماضي" والعديد من ممثلي المحافظة، وهم يؤكدون على هوية وصوت حضرموت القوي في اليمن. وهي المرة الأولى التي يشير فيها الأوروبيون إلى مصطلح "الهوية". مما قد يُفهم أن هناك مساعٍ لتدويل مستقبل حضرموت كفكرة مستقلة عن جنوب اليمن وعن دولة الوحدة، وهو أمر بالمناسبة؛ يتناقض مع المواقف الأوروبية في مسألة "الوحدة اليمنية" التي تعلن عنها باستمرار في ديباجات بياناتها وتصريحاتها الرسمية المتعلقة بالشأن اليمني. تلعب الدول الأوروبية دورا مزدوجا في ظاهره، لكنه في باطنه يبدو منسجما إلى حد كبير مع المساعي السعودية وتوجهات الإخوان المسلمين.  لطالما ارتبط الاهتمام الأوروبي باليمن بمسألة الإغاثة الإنسانية بعد اندلاع أزمة الصراع الأخيرة منذ 2014، ورغم ذلك لم تلبِ الإغاثة الأوروبية مستواها المأمول في اليمن، إذ يبدو أن الدول الأوروبية باتت ترى أن السعودية والإمارات كتحالف رئيسي في الحرب، لديهما من الثراء ما يكفي لتقديم المساعدات إلى اليمن. أما بالنسبة لحضرموت، فقد تعلق الاهتمام الأمريكي بملفات عدة، منها ملف مكافحة الإرهاب، وهو ما تُرجم بزيارات أمريكية مدنية وعسكرية إلى حضرموت خلال السنتين اللاحقة، وازداد بصورة أكبر بعد أن قصفت "الميليشيا" الحوثية الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي. كما أنّ الاهتمام الأوروبي ارتبط في الماضي ويرتبط في الحاضر، أكثر، بالمصالح الاقتصادية والشركات النفطية والغازية في حضرموت وشبوة التي تسيطر عليها عليها القوى الشمالية منذ عقود، على الرغم من انخفاض إنتاجية النفط في جنوب اليمن بسبب الصراع الممتد منذ نحو 9 سنوات. من الواضح أن السعودية التي وجهت دعوة لسفراء الدول الغربية للالتقاء بالشخصيات الحضرمية في الرياض، تريد الإيحاء بأن مستقبل محافظة حضرموت يشكل أهمية بارزة ونقطة ارتكاز أساسية في أي تسوية قادمة، وهو ما يمكن أن يهيئ مساحة كبيرة للمناورة الحضرمية بشكل مستقل، لتشكيل رافعة تمثّل أبناء حضرموت في الاستحقاقات القادمة بعد الحرب، وبعيداً عن فكرتي دولة الوحدة أو مطالب استقلال جنوب اليمن التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي. ورغم أنّ القيادات الحضرمية التي تحمل مثل هذه المواقف ليست لديها حاضنة شعبية في الداخل، ولا تملك قوة عسكرية على الأرض، غير أنّ التأثير السعودي على حضرموت قد يساعد على تهيئة الأجواء لذلك مؤقتا، ويمكن أن تبني المملكة من خلالها مقاربة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المحافظة الحدودية المرتبطة معها. لكنّ ذلك لا يعني أنّ المنطقة بالأخير قد لا تدخل بدوامة فوضى واسعة النطاق، خصوصا، وأنّ القاعدة الشعبية قد حسمت موقفها بوقت مبكر لصالح مشروع دولة الجنوب.  على الأرجح، سيكتشف المجلس الانتقالي الجنوبي أنّه في وضع أصعب مما يتخيّل، رغم بذله جهوداً مضنية في محافظة حضرموت لأكثر من أسبوعين من خلال عقده لقاءات ومناقشات مع أبناءها، والذي يبدو أنه لا يستطيع مجاراتها مقارنة بالسعودية. فمازال الموقف السعودي غير مفهوم أو محسوم، إذ أن الانتقالي الجنوبي سيكون أكثر قوة بالتقاسم السابق بين الرياض وأبوظبي، أما راهناً، فالأمر يتعلق بحسابات القوة وأهداف الأطراف الإقليمية ومدى قدرتها على خلق هذه القوة والتأثير في المحافظة الأكبر في اليمن. سوث24 | فريدة أحمد 

عين الجنوب

فيديو