جنوب اليمن: إبداعات شابة في زمن الحرب

تقارير - منذ 1 سنة

عدن|| عين الجنوب: سوث24 | عبد الله الشادلي [caption id="attachment_23177" align="alignnone" width="300"] جنوب اليمن: إبداعات شابة في زمن الحرب[/caption] من بطون المآسي يولد الأمل، وقد تتفتق يومًا في قلب الصحراء زهرات الربيع. وفي بلد يعيش حربًا أهلية طاحنة منذ أكثر من 8 سنوات، مثل اليمن، تغدو النجاحات الصعبة معجزات، وتُحدث التجارب الملهمة اختراقات غير يسيرة في جدار الأزمة والمعاناة. متر ونصف في الهواء كانت كافية لزرع البسمة والأمل لدى الشاب صالح اليافعي، مخترع الطائرة الشراعية في العاصمة عدن. وبالنسبة لغازي الشرماني، كان هدير محرك السيارة الرياضية التي صنعها في المدينة بمثابة أغنية نجاح. صلاح الرامي، شاب متفوق من أبين قرر تطويع سنوات من دراسته الجامعية لصالح اختراع يسهَّل عملية التواصل بين الصم والبكم. وفي حضرموت، دفعت أزمة الكهرباء القاسية الشاب علي باقبع إلى البحث عن حلول بديلة عبر الطاقة الكهرومائية. الإبداع وروح التحدي جمعا هؤلاء الشباب الصاعدين في جنوب اليمن. يشتركون معا في الظروف والإمكانات والقصة إلى حد كبير، لكن الحاجة إلى الدعم وغياب الاهتمام هو أكثر ما يربط تجاربهم. الأولى محليًا في أغسطس الماضي، كشف الشاب غازي الشرماني النقاب عن أول سيارة رياضية يتم تصنيعها محليًا في عدن، وأطلق عليها اسم (VALCON). أبهر الاختراع، الذي تم بإمكانات بسيطة، الجميع، وحظي باهتمام كبير في الإعلام المحلي والعربي. [caption id="attachment_23178" align="alignnone" width="300"] أثناء عملية استكمال تصميم وصناعة السيارة (بواسطة الشرماني لمركز سوث24)[/caption] وفي حديث مع مركز "سوث24"، شرح الشرماني الشرارة الأولى لمشروع السيارة الرياضية: " أثناء تواجدي على الشاطئ، رمقتُ سيارة صغيرة بمحرك صغير تمرُ أمامي، وبعد أن توقّف السائق، سألته عن ثمن السيارة، وأخبرني أنّه يقترب من 80 ألف ريال سعودي". وأضاف: "قلت في نفسي، لمَ هي باهظة هكذا؟ آنذاك تبادرت إلى ذهني فكرة صناعة سيارة عائلية كبيرة بمواصفات رياضية. وبدأت هذه الفكرة تنمو وتشعل شغفي وطموحي للتصنيع". وأردف: "حسبت تكلفة السيارة التي سوف أصنعها، ووجدتُ أنّه سيكون مُقارباً من سعر تلك السيارة، إلا أنّ خاصتي ستكون بمواصفات مُختلفة، وبمحرك كبير ثلاثة سلندر وسعة "800 CC". تكفي لاستيعاب أربعة أشخاص، ويمكن السفر والتنقّل بها لأي مكان". ويطمح الشرماني لأن يكون لديه مصنع وأيادٍ عاملة، وأن ينشئ خطّ إنتاج وتصميم سيارات حسب الطلب، بما يتناسب مع احتياجات البلد، وأن يواكب التطوّر في مجال التحكم الاصطناعي، "الذي هو الأحدث في مجال الصناعة في وقتنا الحاضر". [caption id="attachment_23179" align="alignnone" width="300"] سيارة رياضية في عدن من تصميم وصناعة المهندس غازي الشرماني (بواسطة الشرماني لمركز سوث24)[/caption] كما يطمح أن يكون مصنعه الخاص مجهّزاً بالمعدات الحديثة، مثل: مكائن الضغط الهيدروليكي، والمكابس، ومكائن الخاصة لتحريك آلات وأدوات المصنع " CNC"، ومعدات اللحام وأفران رش الألوان، وغير ذلك من المعدات المستخدمة في هذا المجال. وعن الصعوبات التي واجهته قال الشرماني: "لم أواجه أي صعوبات في صناعتها بفضل الله. كنتُ مستمتعاً بذلك حقاً"، مضيفاً: "لا ينقصني سوى الدعم لمشروعي". أجنحة الحلم في يوليو الماضي، أنجز الشاب صالح اليافعي أول نماذج الطائرة الشراعية الناجحة التي يحلم بها. قال لمركز "سوث24" إنَّ هذا الإنجاز استغرق قرابة العام منه. لكنّه سعيد للغاية بما تم تحقيقه. وأضاف: "لقرابة عام كامل، كنت أعكف في منزلي على صناعة طائرة شراعية. إنّها حُلمي منذ طفولتي لكي أصبح طياراً ذات يوم. أوشكت على تحقيق حلمي، وارتفعت عنه متراً ونصف، وما زلت أسعى لأن ارتفع أكثر". [caption id="attachment_23181" align="alignnone" width="300"] طائرة شراعية في عدن من تصميم وصناعة المهندس صالح اليافعي (بواسطة اليافعي لمركز سوث24)[/caption] وعن شرارة الحلم، قال اليافعي: "فقداني الأمل بالحصول على منحة لدراسة الطيران، علاوة على عدم مقدرتي وأسرتي على تحمل أعباء الدراسة، كل هذا دفعني إلى محاولة تحقيق حلمي بيدي". وأضاف: "كنت أتعلّم من الإنترنت بعض تفاصيل صناعة الطائرة، مثل: المروحة، والجناح، والذيل، وغير ذلك. لقد تطلّب مني ذلك الوقت والجهد الكبيرين. ورغم محاولاتي الكثيرة، لم أنجح في صُنع الطائرة الأولى، وأخذتُ أصنع ثانية". نجح اليافعي في المحاولة الـ 31 في الارتفاع بطائرته الشراعية لقرابة مترين في الهواء. "كان شعوري لا يوصف حقاً، ما حققته حتَّى الآن بالنسبة لي كنقطة في بحر. أريد أن أتوسع. أريد أن أدرس الطيران. نعم أنا حققت شيئاً؛ لكنّه ليس كل الذي أريده". [caption id="attachment_23180" align="alignnone" width="300"] طائرة شراعية في عدن من تصميم وصناعة المهندس صالح اليافعي (بواسطة اليافعي لمركز سوث24)[/caption] وعن الصعوبات التي اعترضته في مشروعه، قال اليافعي: "عدم إيجاد المكان المناسب لصناعة الطائرة، فضلاً عن عدم توفر الإمكانات والمواد الخاصة بصناعتها، حتّم علي أن استغرق أشهراً في انتظار وصول بعض المواد". وأشار إلى أنّ الطائرة حتَّى هذه اللحظة ما تزال غير مناسبة بنسبة 100% للطيران، وقد تودي بحياته وحلمه في آن واحد؛ بسبب قلة جودة المواد التي استخدمها. مشروع تخرج عظيم في محافظة أبين، كرّس المهندس الشاب صلاح الرامي مشروع تخرّجه الجامعي، لفئة الصم والبكم. لقد صمم الشاب المتفوق دراسيًا برنامجاً يُسهّل عملية التخاطُب مع فئة الصّم والبكم. وعلى الرغم من أنّ هذا الابتكار سبقته ابتكارات مشابهة، قال الرامي لمركز «سوث24»: "ابتكاري مختلف تماما. أنا واثق من أنّه سيكون شيئاً مذهلًا ومختلفًا عن كل ما سبق".
    المهندس صلاح الرامي، يشرح فكرة عمل البرنامج في عرض تقديمي (بواسطة الرامي لمركز سوث24)
[caption id="attachment_23182" align="alignnone" width="300"] واجهة البرنامج (العين الإخبارية)[/caption] استهوت معرفة لغة إشارة الصم والبكم الشاب الذي تخرّج حديثاً من كلية الهندسة بجامعة عدن. دفع هذا الشغف نحو مشروع تخرجه الجامعي برفقة زميلين يُشاركانه، كما يقتضي نظام التخرّج في مرحلة البكالوريوس. بدأت فكرة المشروع في إحدى شوارع عدن، قال الرامي.  "كنت برفقة زملاء المشروع في جولة الفل بعدن، وكان يرتاد هذا المكان بين 10 – 20 شخصاً من فئة الصم والبكم ويناقشون موضوعاتهم على طريقتهم الخاصة". وأضاف: "كنا نشاهدهم دائماً. وذات يوم تساءل زميلي في المشروع غيث كيف بوسعنا فهم لغة هؤلاء الأشخاص؟". قلت له: "ما رأيك بتصميم برنامج تعليمي للغة الإشارة"، ومن هنا بدأت الفكرة". وتابع: "من خلال هذا البرنامج استنبطنا أننا نستطيع أن نجعله ليس برنامجاً تعليمياً فحسب، بل أيضاً مترجمًا للغة الإشارة". وعن اختلاف هذا المشروع عن غيره، قال الرامي: "تلك المشاريع كانت تحت إطار ترجمة لغة الإشارة وتهتم بجزئية معينة، إما تحويل الكلام إلى لغة إشارة أو تحويل لغة إشارة كلام، وكل جزئية من هذه الأنواع بها عيوب". واجهة البرنامج (العين الإخبارية) وبشأن برنامجه، قال الرامي إن لديه مميزات عدة: "إنَّه يقوم بتحويل الكلام المنطوق والمكتوب إلى لغة إشارة باللغة العربية، كما يمكنه تحويل لغة الإشارة إلى كلام إما مكتوب أو مسموع في حال كان المتلقي لا يجيد القراءة". والأهم من ذلك كله، بالنسبة للشاب صلاح الرامي، "أنّ هذا البرنامج سيوحّد لهجات لغات الإشارة المختلفة في اليمن". مضيفًا: "المشروع ما يزال بحاجة إلى دراسة". ويلفت الرامي إلى الصعوبات التي اعترضته: "مواصفات حاسوبي ضعيفة جدا ولا ترقى لهذا المجال، ورغم أنّ هذه العقبة كانت أمر واقع، لم أتوقف. كنت أنتظر بالساعات الطويلة من أجل إخراج النتائج؛ ورغم ذلك إذا لم تكن النتائج مُرضية، يتوجّب حينها إعادة الاختبار". الحاجة أم الاختراع نظرا لأزمة الكهرباء المستفحلة في اليمن، فكر الشاب على باقبع، من محافظة حضرموت، بحلول جديدة. قال لمركز "سوث24": "تمكنتُ من صناعة مولّد لتشغيل الكهرباء بالطاقة الكهرومائية بمواد بسيطة وتقليدية جداً، وكان نجاحاً كبيراً بالنسبة لي كأول إنجاز حقيقي". [caption id="attachment_23183" align="alignnone" width="300"] المهندس علي سالم باقبع، أثناء تجربة توربين المياه (بواسطة باقبع لمركز سوث24)[/caption] وأضاف: "بعدها بمدة ليست طويلة جدًا، صنعت جهازًا لتوليد الكهرباء عبر الرياح. هذا الابتكار صنعته أيضاً من أشياء تالفة وتقليدية جدًا وطوّرتها لاحقًا، باستخدام مروحة تتحرك بحسب اتجاه الرياح". شكى الشاب باقبع من غياب التشجيع "لا سيّما من المسؤولين في منطقتي. ما أقوم بصناعته يتطلّب دعماً مادياً وهو ليس بالكثير جدًا". [caption id="attachment_23184" align="alignnone" width="300"] المهندس علي سالم باقبع، أثناء تجربة توربين المياه (بواسطة باقبع لمركز سوث24)[/caption] وأضاف: "إذا توفّرت الإمكانات، والبيئة المناسبة، سأطوّر ابتكاراتي واختراعاتي إلى مستويات أراهن على أنّها سوف تكون مُذهلة". ووجه المهندس باقبع رسالة عبر مركز «سوث24» للجهات المسؤولة والداعمين للالتفات إلى البسطاء والشباب الطموح. وعلى الرغم أنّ فكرة إنتاج الطاقة باستخدام السدود أو مياه الأنهار، سائدة حول العالم، إلا أنّ تحويلها إلى مشروع ولو محدود، يسلّط الضوء على الحلول المستدامة، التي يمكن استغلالها لتوليد الطاقة في اليمن، وندرة الخطط الحكومية للجهات المعنية نحو الاستفادة من مثل هكذا فرص.

عين الجنوب

فيديو