تحليل: فخاخ ومصائد كارثية في خريطة السلام المتداولة

السياسة - منذ 11 شهر

  السياسية | عين الجنوب يجري الحديث بصورة متسارعة عن خارطة السلام التي وضعتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع سلطنة عمان، وسلمت مسودتها الأولى إلى المبعوث الأممي هانس جروندبرج، وطرفي الحرب الرئيسين: الحوثيون ومجلس القيادة الرئاسي. تسليم هذه المسودة كان قبل أكثر من شهرين، بحسب مصادر تحدثت إلى "نيوزيمن" في وقت سابق من نوفمبر الماضي، وبينما تناقلت حينها وسائل الإعلام أن بنود خارطة السلام سوف تُعلن "خلال أيام"، مرت أيام وأسابيع دون إعلانها، ناهيك عن التوقيع عليها. مؤخراً تجدد الحديث عن قرب إعلان خارطة السلام هذه التي يتفاءل بها بعض الدبلوماسيين الغربيين والإقليميين بأنها ستوقف الحرب في اليمن وتعالج الأزمات الاقتصادية وتقود البلاد إلى تسوية سياسية شاملة، لكن الملاحظ من خلال البنود المتشابهة التي يجري تسريبها إلى الإعلام منذ أبريل الماضي، أن هذه البنود تتضمن فخاخاً ومصائد خطيرة يمكن أن تقود البلاد إلى مرحلة أكثر تعقيداً من الصراع أو المراوحة في حالة اللا سلم واللا حرب التي بدأت بالاتفاق على هدنة أبريل 2022. فخاخ ومصائد أياً كانت البنود الحقيقية لمشروع الاتفاق الذي لم يعلن عنه رسمياً بعد، فقد أصبح شبه مؤكد أنها تتكون من ثلاث مراحل، وهنا يكمن الفخ الأول. فرغم أنه من المنطق أن يجري تزمين أي اتفاق للصراعات المعقدة ضمن مراحل، إلا أن ترتيب المراحل يلعب دوراً حاسماً في نجاح الاتفاق من عدمه. وبحسب خارطة السلام المتداولة، تم تخصيص المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمعتقلين، وهذا أمر جيد، ومثله تزمين مدة إنجازها بستة أشهر، رغم أنها فترة قد لا تكون كافية مقارنة مع مستوى الثقة المنحسر للغاية بين الحوثيين والأطراف المناوئة لها في معسكر الشرعية. تتضمن المرحلة الأولى أيضاً تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، "وتشكيل لجان لفتح الطرقات الرئيسية المغلقة بسبب الحرب"، إضافة إلى لجان اقتصادية وسياسية. هنا يكمن الفخ الثاني؛ فبينما ينص مشروع الاتفاق على "فتح" مطار صنعاء وميناء الحديدة، ينص بالمقابل على "تشكيل لجان لفتح الطرقات المغلقة". وإذا عدنا بالذاكرة خمس سنوات إلى الوراء، سنجد أن بند "تشكيل اللجان" هذا لفتح الطرقات المغلقة سبق أن تضمنه اتفاق استوكهولم في ديسمبر 2018، فهل فتح الحوثيون الطرقات المغلقة؟ إزاء هذه المصيدة الواضحة للغاية، هناك سؤال يطرح نفسه: لماذا ينص مشروع الاتفاق بصراحة على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ويحيل الطرقات المغلقة في تعز ومأرب والحديدة وبقية المحافظات، إلى تشكيل لجان؟ ولمصلحة من سيكون اتفاق كهذا؟ المصادر "المطلعة" التي تقول وسائل الإعلام إنها سرّبت بنود مشروع خارطة الطريق، تفيد بأن المرحلة الثانية من مشروع الاتفاق سوف تتضمن إجراء مفاوضات بين الحكومة الشرعية والحوثيين، وهي المفاوضات التي يعوّل عليها الوصول إلى المرحلة الثالثة، وهي الاتفاق على شكل الدولة. هنا تعود الأمور إلى المربع الأول الذي اندلعت الحرب بسببه، وتأخير هذا البند إلى المرحلة الثالثة والأخيرة يشبه حرفياً المثل القائل: "تقديم العربة على الحصان". نقاط الخلاف الأساسية منذ إعلان اختتام مؤتمر الحوار الوطني في يناير 2014، تصاعدت نقاط الخلاف بين الفرقاء السياسيين حول شكل الدولة وشكل الحكومة والعدالة الانتقالية وبناء الجيش، وتم الإعلان عن اختتام مؤتمر الحوار وما زالت أربعة من تسعة تقارير غير متوافق عليها من قبل فرق الحوار نفسها. كانت القضية الجنوبية في الصميم من هذه القضايا، وفي فوضى الخلاف حول هذه النقاط، انتهزت مليشيا الحوثي الفرصة وانقلبت عل السلطة واستولت على العاصمة صنعاء بقوة السلاح، ثم واصلت حربها على الدولة والأطراف السياسية غير المتفقة معها، وصولاً إلى اقتحامها عدن وتعز، وكانت بصدد السيطرة على كامل الجغرافيا اليمنية عندما تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لكبح جماحها. الآن، وبعد حوالي تسع سنوات من الانقلاب، ومروراً بسنوات الحرب التي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة وتشتيت رجال الدولة في المنافي أو في الداخل، تأتي خارطة طريق لتضع الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب في آخر سلم الأولويات التي يجب معالجتها من أجل التوصل إلى اتفاق مع الجماعة الانقلابية! النقاط الخلافية التي وُضعت في مشروع هذا الاتفاق المتداول، أنتجتها الحرب، وإذا كان مجلس القيادة الرئاسي هو سلطة البلاد العليا في نظر دول التحالف العربي، وفي نظر بلدان العالم التي لا تعترف بمليشيا الحوثي، فكيف يمكنه قبول اتفاق كهذا؟ وإلى أي مدى يمكن للمملكة العربية السعودية أن تضغط على مجلس القيادة الرئاسي لقبول الاتفاق، وإلى أي حد يمكن أن يقدم أعضاء المجلس تنازلات لإنجاح جهود السلام. علماً بأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لا يزال يؤكد إلى آخر لقاء معلن له مع المبعوثين الأممي والأمريكي، وصولاً إلى لقائه بالقائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن، الأربعاء الماضي، أن الحكومة الشرعية منفتحة على السلام في البلاد على ضوء "المرجعيات الثلاث"، وهو ما يرفضه الحوثيون منذ البداية. فهل يوافق المجلس على مشروع سلام بتنازلات، ويعلن تمسكه بالمرجعيات الثلاث شكلياً أو للتداول الإعلامي فقط؟ إن صح ذلك فهي كارثة أسوأ من الحرب نفسها. تغيير شكل الدولة بدلاً من تقديم تنازلات، فرضت مليشيا الحوثي شروطها على مشروع هذا الاتفاق، فمعظم البنود إن لم تكن كلها، تصب في صالحها، ابتداءً بصرف المرتبات للموظفين في مناطق سيطرتها من عائدات النفط والغاز أو من خزينة المملكة العربية السعودية، مروراً بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة كلياً، إلى إجراء "ترتيبات" لتوحيد العملة، بما يعنيه لفظ "الترتيبات" من مماطلة وتسويف. لكن الأفدح من كل هذا هو عدم تطرق مشروع الاتفاق إلى التغييرات التي أحدثها الحوثيون في شكل الدولة في مناطق سيطرتهم، فهم يكرسون مبدأ الولاية في الحكم الذي يعطي الهاشميين أو فئة منهم الحق المطلق بحكم البلاد دون غيرهم، ويفرضون الجبايات دون رادع، وأنشأوا مؤسسات طائفية مدعومة من خزينة الدولة، ولا يعترفون بالمكتسبات الوطنية وعلى رأسها ثورة 26 سبتمبر 1962... وغير ذلك. قد لا تكون دول التحالف معنية بكل هذا، لكن الأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي مهمتهم التحدث عن هذه المكتسبات باعتبارها نقاط خلاف بين المجلس وبين الجماعة الانقلابية التي أعادت ممارسات نظام الإمامة وتحاول بعث الروح فيه بعد أن عانى منه اليمنيون لأكثر من عشرة قرون، سواءً في الشمال أو في الجنوب، وإن كان الجنوب أقل معاناة من نظام الإمامة عبر التاريخ. أما المصيدة الكبرى في مشروع هذا الاتفاق، فهو تأجيله لحل القضية الجنوبية في إطار اليمن الواحد، رغم أن الظروف ما زالت مهيأة منذ سنوات للبدء في معالجة القضية، والإجراء اليتيم الذي قامت به السلطة الشرعية، هو إعادة المبعدين والمسرّحين قسراً من وظائفهم في الدولة، وهذا لم يتم إلا في العام الماضي، ولم تتبعه أي إجراءات أخرى. السلام هو بالفعل ضرورة لليمن، خاصة بعد سنوات الحرب الطويلة، لكن التوصل إلى اتفاق سلام من هذا النوع المفخخ، لن يُكتب له النجاح للوصول حتى إلى المرحلة الثانية، والزمن كفيل بإثبات سلامة التجارب المصيرية أو فسادها.

عين الجنوب

فيديو