سونيون على حافة الكارثة: الحوثيون يعمقون جراح البيئة في البحر الأحمر

السياسة - منذ 2 شهر


عين الجنوب ،سوث24 | عبد الله الشادلي 

في  21 أغسطس الماضي، قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن السفينة سونيون التي ترفع علم اليونان تعرضت لهجوم نفذته مليشيا الحوثيين اليمنية، المدعومة من إيران، بقاربين صغيرين على متنهما نحو 15 مسلحًا، في البحر الأحمر قبالة سواحل الحديدة، مما أدى إلى اندلاع حريق على متنها وإصابة محركاتها.

وأضافت أن ثلاث مقذوفات أصابت السفينة مما أدى إلى تقييد حركتها، وأشارت إلى أنه جرى تبادل لإطلاق النار بين طاقم الناقلة والمهاجمين دون وقوع إصابات بين أفراد الطاقم.

وفي 29 أغسطس، أعلنت جماعة الحوثيين أنها فخخت ثم فجرت ناقلة النفط سونيون، مما تسبب باندلاع حرائق عدة على متنها. وقال زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، في خطاب له، إن جماعته نفذت عملية "نوعية ومهمة"، تمثلت في اقتحام السفينة سونيون وتدمير ما فيها من الشحنات واستهداف السفينة نفسها وتفخيخها وتفجيرها.

ونشر الحوثيون على وسائل الإعلام التابعة لهم مقطع فيديو يظهر مقاتلين ملثمين وهم يصعدون على متن السفينة سونيون ويضعون المتفجرات على فتحات تؤدي إلى مخازن النفط، قبل أن تظهر اللقطات ما لا يقل عن 6 انفجارات متزامنة.



وبحسب البنتاغون ، كانت السفينة سونيون، التي ترفع العلم اليوناني وتديرها شركة الشحن اليونانية دلتا تانكرز، في طريقها من العراق إلى اليونان. وقال البيان الأمريكي إنها تشكل الآن خطرًا ملاحيًا على السفن الأخرى المارة عبر المنطقة.

وفي 29 أغسطس، افادت فادت مهمة أسبيديس في، أن سونيون مشتعلة منذ 23 أغسطس مع «رصد حرائق في مواقع عدة على السطح الرئيسي للسفينة». وأشارت إلى «عدم وجود تسرب نفطي، وأن السفينة لا تزال راسية ولا تنجرف». وأكدت، على منصة «إكس»، أنها تستعدّ «لتسهيل أي مسارات عمل، بالتنسيق مع السلطات الأوروبية والدول المجاورة، لتجنب أزمة بيئية كارثية».

كارثة وشيكة 

تتضمن حمولة الناقلة سونيون 150 ألف طن من النفط الخام، أو أكثر من مليون برميل، وهو ما ينذر بكارثة بيئية غير مسبوقة. هذه الكمية تعادل أربعة أضعاف حجم حمولة السفينة الأمريكية إكسون فالديز التي جنحت عام 1989 على شعاب مرجانية في مضيق الأمير ويليام في ألاسكا، في واحدة من أكبر حوادث تسرب النفط في التاريخ.

آنذاك، أثر التسرب النفطي بشكل كبير على الحياة البحرية في المنطقة، حيث تلوثت مساحات واسعة من المياه والشواطئ، ما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، الطيور البحرية، والثدييات البحرية. الكارثة تسببت أيضًا في تدمير بيئات طبيعية هشة وتسببت في أضرار اقتصادية كبيرة للصناعات المحلية مثل الصيد والسياحة.

أعادت الخارجية الأمريكية التذكير بهذه الكارثة في بيان يوم 24 أغسطس أدان هجوم الحوثيين الذي استهدف ناقلة سونيون، وحذر من كارثة بيئية مشابهة. 

وقالت اليونان في رسالة عممت عبر وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة يوم الجمعة إنه تم رصد ما وصفته بأنه "تسرب محتمل" يبلغ طوله 2.2 ميل بحري (4.2 كيلومتر) في المنطقة المطابقة لموقع سونيون في البحر الأحمر.

لكن مسؤولا في مهمة أسبيدس الأوروبية قال لرويترز إن التسرب المحتمل كان من محرك السفينة وليس من شحنة النفط على متنها.

وفي حديث لمركز سوث24، قال وكيل الهيئة العامة لحماية البيئة، عبد السلام محمد الجعبي إن "حمولة السفينة سونيون 150 ألف طن من النفط الخام وتوجد على مسافة 77 ميلًا بحريًا من ميناء الحديدة".

وعن المخاطر البيئية التي تشكلها هذه السفينة في حال غرقت، قال المسؤول اليمني: "في حال غرقت ناقلة النفط سونيون، ستنشأ كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية على المستويين الإقليمي والدولي. إذ سيتسرب النفط الخام الموجود بداخلها، مما سيتسبب في تلوث البحر الأحمر والشواطئ في المنطقة بشكل عام، وبصورة خاصة الشواطئ في اليمن ومحافظة الحديدة".


وأردف: "بالإضافة إلى الشواطئ الإريترية والجيبوتية والصومالية، ستمتد بقع النفط إلى سواحل المملكة العربية السعودية والسودان بحسب حركة الرياح".

وأشار الجعبي إلى أن "النظم البيئية الفريدة في البحر الأحمر ستنهار، بما في ذلك الشعب المرجانية التي ستتعرض لانهيار شبه كامل. سيؤدي ذلك إلى نفوق الأسماك بمختلف أشكالها وأنواعها وأحجامها، وهجرة ما تبقى منها بسبب تدهور بيئتها وموائلها".

ولفت إلى أن الكائنات الدقيقة والقشريات والثدييات البحرية والطيور البحرية المستوطنة والمهاجرة ستكون عرضة لهذا الخطر، هي الأخرى. وقال: "سيسفر هذا عن فقدان مئات الآلاف من فرص العمل للصيادين، مما سيحول المجتمع الساحلي، الذي يقدر عدد سكانه بأكثر من مليون مواطن، إلى مجتمع يعاني من البطالة".

وأضاف: "ستتفاقم الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب الجائرة التي تشنها المليشيات الحوثية، التي تحولت من مليشيات على الأرض إلى قراصنة البحر الأحمر. وسينتج عن فقدان هذه الفرص الاقتصادية تدهور السياحة في المناطق الساحلية، وانهيار محطات تحلية مياه البحر الممتدة على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر، مما سيؤدي إلى انعدام مياه الشرب التي يعتمد عليها المواطنون في هذه المناطق".

وتابع: "يعتبر البحر الأحمر من البحار شبه المغلقة، وتجديد المياه فيه يحتاج لعشرات السنين بصورة طبيعية، مما يعني أن آثار الكارثة البيئية قد تستمر لما يقارب المئة عام، حتى مع جهود مكافحة التلوث".
 
وفي حال غرقها، ستنضم سونيون إلى مصير السفينة البريطانية روبيمار التي أصابها الحوثيون بالصواريخ في 18 فبراير الماضي، لتعلن الحكومة اليمنية غرقها رسميًا في 2 مارس مع حمولة أكثر من 41,000 طن من الأسمدة فئة IMDG 5.1 عالية الخطورة، وكميات من الزيوت والوقود.


جهود الإنقاذ 

في 28 أغسطس، كتب المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، على منصة «إكس»: «بعد تواصل جهات دولية عدة معنا، خصوصًا الأوروبية، تم السماح لهم بسحب سفينة النفط المحترقة سونيون».

وفي 29 أغسطس، حثت اليونان "جميع الدول وجميع الجهات الفاعلة المعنية على المساعدة في منع الخطر البيئي وحل الوضع في أقرب وقت ممكن للسفينة سونيون" في رسالتها التي نشرتها المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة .

وفي منشور على منصة إكس يوم السبت (31 أغسطس)، قال وزير الخارجية الحوثي جمال عامر إن زوارق القطر ستصل إلى الناقلة وتستعيدها يوم الأحد. ومع ذلك، أظهرت أقمار ناسا الصناعية صباح اليوم الاثنين استمرار الحريق في الموقع الذي توجد فيه عن سونيون بحسب ما نشرته فرانس برس.

وكانت وكالة رويترز قد نقلت في 30 أغسطس عن مصادر إنه "من المتوقع إنقاذ ناقلة النفط المنكوبة في البحر الأحمر قريبًا". وقال مصدران مطلعان للوكالة إن من المتوقع "ما تقرر يوم الخميس هو خطة أولية لبدء العملية في غضون 48 ساعة".

وقال مصدر ثان إن العملية ستكون معقدة على الأرجح نظرا لأن الحوثيين زرعوا متفجرات على متن الناقلة.

وفي 30 أغسطس وخلال اجتماع غير رسمي، قال وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي إن القضية الكبرى الآن هي تجنب كارثة بيئية بسبب النفط الذي كانت السفينة سونيون تنقله. وأضاف البيان: "سيتم التوصل إلى حل، وسوف نتعاون في هذا الشأن".

واليوم الاثنين، قالت المهمة الأوروبية أسبيدس: تشكل السفينة MV SOUNION، بسبب الكمية الكبيرة من النفط الخام التي تحملها، تهديدًا بيئيًا كبيرًا. وتشارك شركات خاصة في عملية الإنقاذ التي على وشك أن تبدأ. ستوفر EUNAVFOR ASPIDES الحماية لقوارب القطر، التي ستتعامل مع عملية الإنقاذ وتسهل جهودها لمنع وقوع كارثة بيئية".


وأضاف البيان: "في الوقت الحالي، لا تزال عدة حرائق مشتعلة على السطح الرئيسي للسفينة. وتظل السفينة راسية دون أن تنجرف، ولا توجد أي علامات مرئية على تسرب النفط".

وعما إذا كانت الناقلة سونيون ستلقى نفس مصير روبيمار، قال المسؤول الحكومي عبد السلام الجعبي: "بحسب المعطيات وحجم الكارثة المحتملة، لا أعتقد أن سونيون ستواجه نفس مصير روبيمار".

وأضاف: "الحكومة على تواصل مستمر مع الأشقاء في الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر ودول الإقليم، وكذلك مع الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لوضع الحلول والمعالجات وانتشال الناقلة قبل تسرب النفط أو جنوحها".

وقال الجعبي: "الوضع الراهن للناقلة يشير إلى وجود 5 حرائق مشتعلة في أعلى بدنها، ومع ذلك ما زالت متماسكة وثابتة في موقعها، وهو ما أعتقد أنه سيكون له أثر إيجابي في التعامل معها وسرعة إنقاذها. والأمل بالله أن يجنبنا هذه الكارثة الوشيكة".

لكن جهود إنقاذ سونيون تواجه خطر التعثر والعرقلة إذا لجأ الحوثيون إلى استغلال هذا الملف مثل خزان صافر النفطي (1.14 مليون برميل) الذي ظل عائمًا كقنبلة موقوتة قبالة الحديدة في البحر الأحمر قرابة تسع سنوات من 2015 حتى أغسطس 2023.

استطاعت الأمم المتحدة تفريغ الخزان المتهالك من على متن الناقلة صافر إلى ناقلة أخرى، خلال عملية معقدة استمرت 18 يومًا وسط التيارات البحرية القوية وحقول الألغام البحرية التي زرعها الحوثيون. 

كلفت العملية آنذاك 143 مليون دولار غطتها تبرعات دولية، لكنه مبلغ لا يذكر أمام 20 مليار دولار كانت ستكلف لتنظيف البحر الأحمر إذا غرق خزان صافر مع حمولته المقاربة كثيرًا لحمولة سونيون. ومع ذلك، فإن تحدي توفير تمويل مشابه لتفادي كارثة سونيون يبدو أيضًا عائقًا إضافيًا. 

كما أن استمرار هجمات الحوثيين ضد السفن يفرض ظروفًا خطيرة قد تجهض جهود الإنقاذ برمتها. واليوم الاثنين فقط، هاجم الحوثيون سفينتين في البحر الأحمر بالقرب من سفينة سونيون.

فيديو