مليونية الهوية الجنوبية في حضرموت.. رسائل سياسية واقتصادية قوية للداخل والخارج

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

في عصر الرابع عشر من أكتوبر، وفي قلب محافظة حضرموت، تجمعت الحشود من كل حدب وصوب استجابة لدعوة المجلس الانتقالي الجنوبي للاحتفاء بالذكرى الـ 61 لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة. 

كان اليوم أشبه بملحمة وطنية، حيث جدد الشعب الجنوبي عهده وإرادته في استعادة دولته الجنوبية، وكتبت حضرموت فصلاً جديداً في نضالها المستمر منذ عقود طويلة.

كما هو الحال في كل حدث جنوبي ضخم، لم تكن هذه المليونية مجرد تظاهرة شعبية للاحتفال بذكرى تاريخية، بل كانت أيضاً محطة لإرسال رسائل سياسية مهمة، لا للداخل فحسب، بل للخارج أيضاً. 
وبينما رفع الآلاف أعلام الجنوب عالياً، كانت الرسائل السياسية ترتفع معها، مجسدة إرادة شعبية لا تقبل التراجع، وموجهة للقيادة والشركاء الإقليميين والدوليين.


تجديد التفويض للقيادة السياسية

كانت الرسالة الأبرز التي حملتها هذه المليونية هي تجديد التفويض للقيادة السياسية الجنوبية، ممثلة بالرئيس القائد عيدروس الزبيدي، فكما أن الثورة التي انطلقت من جبال ردفان كانت عنواناً للإرادة والحرية، كذلك كانت الحشود في حضرموت إعلاناً صريحاً على دعم الشعب لقيادته. 

إن الشعب الجنوبي يدرك تماماً أن الرئيس الزبيدي لم يكن مجرد قائد سياسي، بل رمز للهوية الجنوبية، يقود نضال شعبه داخلياً وخارجياً من أجل استعادة دولتهم المسلوبة.

وكما قال أحد المتظاهرين: لموقع "عين الجنوب" إن الرئيس الزبيدي هو السيف الذي يشهره الجنوب في وجه كل من يحاول الالتفاف على حقوقه"، فإن هذا التفويض المتجدد يُعزز من قوة الرئيس الزبيدي كقائد للمسار الدبلوماسي والسياسي، الذي يسعى عبره لتحصيل اعتراف دولي بالحق الجنوبي.

دعم جهود السلام العادل

في ظل حالة الحرب والصراعات الدامية التي تشهدها المنطقة، تأتي هذه المليونية أيضاً لتؤكد على رسالة السلام، ولكن السلام الذي يدعو إليه الجنوبيون ليس سلاماً مفروضاً من الخارج أو سلاماً يتجاهل إرادتهم، بل هو سلام عادل ومستدام يقوم على أساس احترام إرادة الشعب الجنوبي.

فكما تعلمنا من دروس الماضي، فإن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق ما لم يُبنَ على العدالة واحترام تطلعات الشعوب.

ومن هنا، جاءت الرسائل واضحة بأن الجنوبيين يدعمون كل الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق السلام، ولكن بشرط أن يكون هذا السلام قائماً على احترام مطالبهم الوطنية، وعلى وضع إطار تفاوضي لقضية الجنوب كما نصت عليه مشاورات الرياض.

دعم مطالب حضرموت

تأتي حضرموت، التي كانت قلب هذه المليونية، كرمز لإرادة الجنوب الموحدة. وكانت رسائل الدعم والتأييد لمطالب أبناء حضرموت واضحة وجلية، فكما أن الثورة الجنوبية وُلدت في جبال ردفان، فإن حضرموت اليوم تقف شامخة لتعلن تمسكها بحقوقها الاقتصادية والسياسية، فالمطالب التي قدمتها اللجنة الحضرمية ليست مجرد اقتراحات، بل حلول واقعية حظيت بتأييد شعبي واسع.

وكما قال أحد المشاركين في المليونية: "حضرموت اليوم لا تطالب بحقوقها فقط، بل تطالب بالعدالة التي حرمت منها لعقود". إن استعادة حقوق حضرموت العادلة أصبح اليوم أولوية لا يمكن تجاهلها، ويجب على كل القوى السياسية أن تستجيب لها.

▪️إعادة هيكلة السلطة المحلية

واحدة من أهم القضايا التي طرحتها المليونية كانت الدعوة إلى إعادة هيكلة السلطة المحلية في حضرموت، فالاحتقان الاجتماعي والسياسي الذي تعاني منه المحافظة لم يعد يُحتمل، وأصبح يشكل خطراً حقيقياً على السلم المجتمعي، ومن هنا، جاء مطلب إعادة الهيكلة ليعكس رغبة الجنوبيين في تحقيق شراكة فعلية بين مختلف القوى الحضرمية الحية والمخلصة.

كما قال أحد الناشطين: "لا يمكن لحضرموت أن تزدهر ما لم يتم القضاء على الفساد والمحسوبية". إن إعادة هيكلة السلطة المحلية ستضمن تمثيل كافة القوى الحضرمية، وستحقق توازناً يُبعد المحافظة عن الصراعات الداخلية التي تقف خلفها قوى صنعاء اليمنية.

▪️زيادة حصة حضرموت من العائدات

لم تقتصر مطالب حضرموت على الجانب السياسي فقط، بل تضمنت أيضاً مطالب اقتصادية جوهرية، إن الدعوة إلى زيادة حصة حضرموت من العائدات النفطية والثروات المعدنية ليست مجرد مطلب اقتصادي، بل هي خطوة نحو العدالة والإنصاف، حضرموت، التي عانت لعقود من استنزاف ثرواتها لصالح قوى النفوذ، تطالب اليوم باستعادة حقوقها في مواردها.



▪️ مكافحة الفساد

رسالة أخرى حملتها المليونية بوضوح، وهي دعم جهود المجلس الانتقالي الجنوبي في مكافحة الفساد، كما أن الثورة الجنوبية كانت تهدف إلى التحرر من الظلم والهيمنة، فإن مكافحة الفساد اليوم هي جزء من استكمال تلك الثورة. 
المجلس الانتقالي، عبر حملته لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، يسعى إلى إعادة بناء دولة الجنوب على أسس النزاهة والشفافية.

▪️إرادة حضرموت الجنوبية

كانت إرادة حضرموت الجنوبية حاضرة بقوة في هذه المليونية، حيث أكد أبناء حضرموت على تمسكهم بهويتهم الجنوبية ضمن الدولة الفيدرالية القادمة، حضرموت، التي كانت منطلقاً للثورة الجنوبية، ليست مجرد محافظة، بل هي جزء أساسي من المشروع الجنوبي الكبير، وكما قال أحد المثقفين الحضارم: "حضرموت لن تسمح بأن يتم التلاعب بهويتها مرة أخرى".

▪️إدانة الحوثيين والمشروع الإيراني

لم تغب القضايا الإقليمية عن المليونية، حيث أدانت الحشود بوضوح القرصنة الحوثية ومحاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة، الشعب الجنوبي، الذي كان دائماً شريكاً في الحرب ضد الإرهاب والمشروع الإيراني، يعلن اليوم أنه جزء من الجبهة الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب والهيمنة الإيرانية.

▪️تمكين قوات النخبة الحضرمية

أحد أبرز المطالب التي رفعتها المليونية كان تمكين قوات النخبة الحضرمية من السيطرة على كامل تراب حضرموت، هذه القوات، التي مثلت نموذجاً يُحتذى به في مكافحة الإرهاب، أصبحت اليوم رمزاً للأمن والاستقرار، كما طالب أبناء حضرموت بإخراج قوات الاحتلال التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، وفقاً لاتفاق ومشاورات الرياض.

▪️وحدة القرار السياسي الحضرمي

وأخيراً، أكدت المليونية على وحدة القرار السياسي الحضرمي، ورفض أي محاولات لتمزيق النسيج الاجتماعي أو جر حضرموت إلى صراعات داخلية. 
حضرموت، التي أعلنت انحيازها الكامل للمشروع الجنوبي، لن تقبل بأي محاولات لسلخها عن جسدها الجنوبي.

في الختام، كانت مليونية الهوية الجنوبية في حضرموت رسالة واضحة وصريحة، حملت في طياتها إرادة شعب لا يقبل التراجع، وشددت على أن استعادة الدولة الجنوبية باتت مطلباً شعبياً لا رجعة فيه.

فيديو