تحليل | لماذا الجنوبيون مصرون على إستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة

دراسات وتحليلات - منذ 3 شهر

عدن ، عين الجنوب | خاص

تواجه المنطقة منذ سنوات طويلة بل منذ ما قبل الإسلام نزاعاً سياسياً وعسكرياً متعدد الأبعاد، والآن بعد قرون عديدة يسعى المجتمع الدولي لإيجاد تسوية سياسية شاملة تضمن مشاركة كافة الأطراف في مستقبل البلاد وتحافظ على وحدة اليمن. إلا أن هذا النهج يتعارض مع رؤية الجنوبيين الذين يسعون لاستعادة دولتهم المسلوبة. يُعزى هذا التوتر إلى مواقف الأطراف الشمالية الرئيسية، كحزب الإصلاح ذو التوجهات المتقلبة والمتلونة، وجماعة الحوثي ذات الأيديولوجية الزيدية، حيث يرى الجنوبيون فيهما تهديداً وجودياً وطرفين طامعين يسعيان للسيطرة على الجنوب بالقوة والتسلط.

خلفية النزاع ودوافعه:
حزب الإصلاح هو جماعة سياسية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد برز كقوة سياسية قوية بعد الوحدة اليمنية عام 1990. يرى الجنوبيون أن الحزب يتخذ من الدين والأحداث أداة سياسية لتحقيق أهدافه، ويُتهم بتكوين تحالفات خفية مع جماعات مسلحة لتحقيق مكاسب سياسية. يمتلك الحزب علاقات وثيقة مع تركيا وإيران اللتان تدعمانه مادياً ولوجستياً، وهو ما أثار قلق الجنوبيين الذين يخشون أن يستغل الإصلاح نفوذه لتحقيق أجندة توسعية على حساب إرادة الجنوب.

من جهة أخرى، يمتلك الإصلاح شبكات معقدة من المؤسسات المالية والإنسانية التي تعمل في الجنوب، وتستخدم هذه المؤسسات لتعزيز حضوره السياسي والإيديلوجي، مما يعطيه اليد الخفية في الصراع ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.

جماعة الحوثيين: الحوثيون جماعة مسلحة تتبع المذهب الزيدي، وتحصل على دعم واضح من إيران جعلها تميل أكثر للمذهب الأثنى عشري مؤخراً، حيث يتهمهم المجتمع اليمني والدولي بالسعي لتحقيق أجندة توسعية إيرانية في المنطقة. يُعد الحوثيون جماعة ديكتاتورية في أسلوب حكمها، حيث يسعون لفرض عقيدتهم الدينية والسياسية بالقوة، وهو ما جعلهم جزءاً من الصراع الإقليمي بين المحور الإيراني والمحور العربي بقيادة السعودية والإمارات.

بالنسبة للجنوبيين، يُعتبر الحوثيون تهديداً رئيسياً لسببين؛ أولاً، الدعم الإيراني الذي يعزز موقفهم العسكري والسياسي والطائفي في الشمال اليمني، وثانياً، السعي لفرض أفكارهم السياسية والعقائدية في الجنوب إذا ما توسع نفوذهم إلى تلك المناطق.

موقف الجنوبيين ورفضهم للمشاركة في حكومة تشمل الحوثيين والإصلاح. يسعى الجنوبيون لتحقيق الاستقلال وإستعادة دولة الجنوب المسلوبة بحدودها المتعارف عليها، إذ يعتبر قادة الجنوب أن المشاركة في حكومة تشمل حزب الإصلاح وجماعة الحوثيين تهديداً لوجودهم. فهم ينظرون للإصلاح والحوثيين كقوى سلطوية طامعة لا تؤمن بالديمقراطية أو بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم.

تحفظ الجنوبيين تجاه حزب الإصلاح: يعتبر الجنوبيون حزب الإصلاح عقبة في طريق الاستقلال. الحزب بنظرهم يسعى إلى الهيمنة السياسية والإيديلوجية عبر وسائل غير مباشرة، باستخدام الإعلام المساعدات والتعاون مع جماعات إرهابية لبسط نفوذه. كما ينظر الجنوبيون بعين اليقين إلى الدعم التركي للحزب، مما يزيد من تخوفهم من وجود أجندات خارجية تدعم الحزب على حساب مستقبل الجنوب.

رفض الجنوبيين للحوثيين والإصلاح: ترى القيادات الجنوبية أن الحوثيين والإخوان، يشكلون تهديداً أكبر بسبب اعتمادهم على الدعم الإيراني والتركي ومحاولاتهم المستمرة لفرض عقيدتهم الدينية بالقوة وأجندتهم السياسية تحت شعارات ظاهرية ومزيفة. الجنوبيون يرون أن دخول الحوثيين والإصلاح ضمن حكومة موحدة سيعني بالضرورة إدخال المنطقة في دائرة الصراع الجنوبي اليمني والإيراني-العربي، مما سيؤدي إلى مزيد من التصعيد والخسائر في الجنوب والمنطقة.

دور المجتمع الدولي وتحدياته في تحقيق تسوية سياسية شاملة:
يحاول المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة دمج جميع الأطراف في حكومة شاملة للحفاظ على ما يسمى وحدة اليمن. إلا أن هذا النهج يتعارض مع رؤية المجلس الإنتقالي الجنوبي ومطالبه باستعادة الدولة، الأمر الذي وضع المجتمع الدولي ينحاز الى حلول غير سوية في نظر معظم الشعب الجنوبي.

بينما يحاول المجتمع الدولي إبراز الحفاظ على وحدة اليمن، صانعاً مبررات غير منطقية في تجاوز الاعتراف بأحقية شعب الجنوب وقيادته المطالبه بالاستقلال. وفي الجانب الآخر يعترف المجتمع الدولي بالحوثيين والإصلاح، المدعومين من إيران وتركيا على التوالي، هذا يعقد من عملية تحقيق الاستقرار في المنطقة. إذ إن مشاركة الحوثيين والإصلاح في الحكومة سيتطلب من المجتمع الدولي التعامل مع نفوذ خارجي قوي، وهو ما قد يعزز الإستمرار في عدم التوصل الى حلول حقيقية تؤمن بأهمية دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والذي يتبناه القانون الدولي ومواثيق الامم المتحدة.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات ينبغي أن يدرك المجتمع الدولي أن الشعب وقيادته الجنوبية سيستمرون في السعي لتحقيق الاستقلال، حيث يعتبر ذلك الخيار الوحيد الذي يضمن حقوقهم وهويتهم الجنوبية التاريخية، بعيداً عن أجندات الحوثيين والإصلاح التوسعية والتسلطية. وبالرغم من ذلك من الممكن أن يقبل الجنوبيون المشاركة في مفاوضات، بشرط تقديم ضمانات دولية بعدم تدخل الحوثيين والإصلاح في شؤون الجنوب وشعبه. ومن أجل إعطاء الجنوبيين حقهم في الحصول على دعم من الدول الخليجية، ومن دول أخرى للتصدي لمحاولات إيران وتركيا توسيع نفوذهم في الجنوب.

وبإيجاز شديد من المهم أن نعترف أن الأزمة الحالية تتسم بتعقيداتها المحلية والدولية، حيث تتداخل الأجندات الداخلية والخارجية بشكل يزيد من صعوبة تحقيق حل دائم. يعاني شعب الجنوب من مخاوف حقيقية بسبب سياسات الإصلاح والحوثيين وجماعاتهم الإرهابية، مما يدفعه لرفض أي تسوية تشملهم في الجنوب، وفي ظل الدعم الإيراني والتركي للحوثيين والإصلاح، يرى الجنوبيون أن تحقيق استقلالهم هو الخيار الأنسب لحمايتهم من هذه الأطراف، أو على الأقل عدم فرض عراقيل للتعامل معهم في الجنوب خاصة في حضرموت والمهرة، ففي كل تحدي يؤكد الجنوبيون أنهم ليسوا دعاه حرب ولا يحملون إيديلوحيه متطرفة او توسعية وتسلطية على الشعب اليمني، لكن عندما يتعلق الأمر بالجنوب فإنهم لن يتوانوا عن الدفاع عن مصالحهم ووطنهم وشعبهم والحفاظ على أمنه وإستقراره مهما كانت النتائج.

فيديو