روسيا واستراتيجية الدبلوماسية الناعمة

تقارير - منذ 8 شهر

روسيا خطوات نحو التأثير الإقليمي والعالمي

عين الجنوب | تقرير - خاص


كما أسلفنا في تقرير سابق أن الفن والثقافة الروسية عميقة وكثيفة السرد، إلا أن التسويق الغير كامل، يضع السياحة في روسيا محدودة للراغبين.

لكن اليوم رأينا خطوات جريئة أخرى من قبل مجلس الوزراء الروسي تتمثل في توسيع قائمة الدول التي يمكن لمواطنيها دخول روسيا بتأشيره إلكترونية منها في شرق آسيا وافريقيا وفي الشرق الأوسط كانت الأردن في القائمة، وسابقاً المواطنين السعوديين وبدون تأشيره حتى، هذه الخطوات تبرز أبعاداً استراتيجية متشابكة تعكس توجهاً جديداً في السياسة الروسية لتعزيز العلاقات مع افريقيا واسيا ودول الشرق الأوسط.

هذا القرار لا يمكن فصله عن المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، خاصة مع تصاعد التوترات بين روسيا والدول الغربية، والحاجة إلى إعادة توجيه العلاقات الاقتصادية والسياحية نحو أسواق جديدة وأكثر وداً. المملكة العربية السعودية والأردن تمثلان بوابتين هامتين في المنطقة؛ السعودية بوزنها الاقتصادي والنفوذ الإقليمي، والأردن بدوره المحوري كحلقة وصل في الشرق الأوسط، إضافة إلى موقعه الاستراتيجي وتاريخه كحليف تقليدي للغرب.

التسهيلات التي تقدمها روسيا تعكس رغبتها في جذب المزيد من السياح والاستثمارات. دخول الصينيين بأعداد كبيرة يجعل السياحة ركيزة مهمة للاقتصاد الروسي، خاصة في ظل العقوبات الغربية. توسيع نطاق الدول التي تستفيد من هذه التسهيلات يعني أن روسيا تحاول تنويع مصادر دخلها وتعزيز التعاون مع دول لا تزال تحافظ على علاقات جيدة معها. السعودية، على سبيل المثال، ليست فقط سوقاً سياحية كبيرة، بل تمثل شريكاً مهماً لروسيا في سوق الطاقة العالمي، خاصة عبر منصة (أوبك+) التي تعزز التعاون بين البلدين.

هذه الخطوات تعكس أيضاً رسالة سياسية واضحة. روسيا تسعى لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط كقوة صديقة وبديلة للنفوذ الغربي، الذي يبدو أنه يعاني من تراجع نسبي في التأثير في بعض دول المنطقة لأسباب أبرزها فرض الضغوط على الشعوب والحكومات بشكل يتعارض مع رفاهيتهم وحتى أهدافهم. 

لذا يمكن القول أن السماح للأردنيين والسعوديين بالدخول بسهولة سيعزز من العلاقات الشعبية بين روسيا وهذه الدول، ويفتح الباب لتعاون أكبر على مستوى المشاريع المشتركة، سواءاً في مجالات السياحة، التعليم، أو حتى الدفاع، خاصة وأن الأردن والتي تشهد زيادة في عدد المواطنين الداخلين الى روسيا، بل راينا ترويجاً اردنياً عبر يوتبرات مشهورة من الأردن تدعوا لزيارة روسيا. وإذا نظرنا إلى الجانب الآخر نرى مكانة الصين كأكبر مصدر للسياح إلى روسيا، هذا الامر يعكس استراتيجية روسية لتعزيز العلاقات مع الدول ذات العلاقات الجيدة والأهداف المشتركة. لكن الصين، بحكم موقعها الاقتصادي والجغرافي، تمتلك ميزات فريدة تجعلها في صدارة قائمة الزوار. لذلك، فإن روسيا الآن تعمل على تنويع هذا النموذج، وجذب دول أخرى في الشرق الأوسط، حيث تتنامى الطبقة المتوسطة التي تمتلك الرغبة والقدرة على السفر.

التوجه الروسي الجديد يُظهر أيضاً فهماً أعمق لأهمية الدبلوماسية الناعمة. السماح بدخول الأردنيين والسعوديين بسهولة يعزز من التبادل الثقافي بين الشعوب، ويفتح نافذة للتقارب بين الثقافتين العربية والأفريقية والروسية. مثل هذه الخطوات تسهم في تحسين الصورة الشعبية لروسيا في المنطقة، خاصة لدى الشباب والمهتمين بالسياحة أو الدراسة في الخارج. ورغم الفوائد المحتملة، فإن التحديات قائمة. على الرغم أن روسيا تمتلك معالم سياحية هائلة وتاريخ غزير لكن نجاح هذه الخطوات يعتمد على قدرة روسيا على تقديم تجربة سياحية واقتصادية تستقطب هذه الشعوب بشكل مستدام. كذلك، فإن جذب دول المنطقة يتطلب استمرار التعاون في الملفات الأخرى ذات الأهمية، مثل الأمن الإقليمي والتعاون في القضايا العالمية.

لكن ما يهم هو أن روسيا على ما يبدو تُعيد صياغة استراتيجيتها للانفتاح على الشرق الأوسط وأفريقيا، في محاولة لتعويض تراجع علاقاتها مع الغرب. هذه التحركات تُظهر مرونة في السياسة الروسية، حيث تستغل نقاط القوة في علاقاتها مع الدول ذات الثقل الإقليمي. ومع تزايد الضغوط الدولية، ستسعى روسيا إلى تعزيز هذا التوجه كجزء من استراتيجيتها الجديدة لتحقيق التوازن الاقتصادي والسياسي في عالم متعدد الأقطاب.

فيديو