الهوية الجنوبية والمشاريع الدخيلة؛ صراع الوجود والعبث بمسار التاريخ

تقارير - منذ 4 أيام

الهوية الجنوبية والمشاريع الدخيلة؛ صراع الوجود والعبث بمسار التاريخ

عين الجنوب | تقرير - خاص

على امتداد التاريخ، شكلت الهوية الجنوبية كياناً سياسياً وثقافياً متمايزاً، له جذوره العميقة في الأرض، وله ملامحه الخاصة التي صقلتها التجربة الوطنية عبر العقود. إلا أن هذه الهوية، منذ عقود، كانت هدفاً لمحاولات الطمس والاستلاب، عبر مشاريع سياسية، وأيضاً من خلال منظومات فكرية وأيديولوجية دخيلة، حاولت إعادة تشكيل الوعي الجنوبي وفقاً لأجندات تخدم مصالح خارجية أو سلطوية.

عند استقلال الجنوب في 1967، كانت المشاعر القومية في اوج قوتها، ونظراً ان القومية هي مشاعر وطنية يمكن ان تمتد االى سياق اوسع، عمل دخلاء اليمنية الذين حاربتهم بريطانيا بكل قوة ابان تواجدها في الجنوب العربي، على إستجلاب النظام الاشتراكي، كخيار سياسي واقتصادي لرسم ملامح المستقبل. النظام الإشتراكي بطبيعته يلعب على وتر القومية والمشاعر الوطنية، والذي بدوره يعزز اي تحولات في الهوية الوطنية الجنوبية الى سياق اوسع، نتذكر فيه مقولة كانت تترد بين بعض ابناء الجنوب "سوف تعلوا راية الإشتراكية خفاقة في العالم" حيث كان يطمح السوفييت نحو توحيد المنطقة تحت هذه الراية إلا أن التطبيق للفكر الإشتراكي أدى إلى تحول الاشتراكية من أداة تحرر إلى مشروع أيديولوجي توسعي منغلق وجامد، حيث عانت الهوية الجنوبية خلال العقود الاشتراكية من محاولات قولبتها ضمن إطار أيديولوجي أكثر جموداً وتطرفاً، وطموحاً في التوسع، مما أدى الى بداية مع العربية اليمنية (اليمن)،. وهو ما كان مخطط له في اجندة الحزب.


في مقابل الجمود الاشتراكي، ظهر مشروع آخر أكثر خطورة على الهوية الجنوبية، يتمثل في تغلغل الفكر الإخواني إلى نسيج المجتمع، خصوصاً بعد الوحدة اليمنية عام 1990. استطاع حزب الإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، التغلغل في مؤسسات الدولة، مستخدماً أدواته الناعمة في التعليم والإعلام والدين والشعوذة، محاولاً إعادة تشكيل الوعي الجمعي بما يخدم مشروعه السلطوي العابر للحدود.

إلا أن الخطورة لم تتوقف عند البعد السياسي، بل تجلت بشكل أعنف مع استخدام شبكات التهريب والإرهاب كأداة لإضعاف الجنوب، حيث نشأت جماعات متطرفة بتنسيق خفي مع الإخوان، وجهزت لضرب الاستقرار الجنوبي كلما سنحت الفرصة. من اغتيالات القيادات الجنوبية، إلى تفجير المنشآت والتجمعات، بهدف إبقاء الجنوب في حالة ضعف دائم، وإرغامه على قبول الوصاية الإخوانية تحت ذريعة مقاومة المشروع الإيراني.

لم تكن الجماعات الإرهابية وحدها التي تسعى لطمس الهوية الجنوبية، بل إن المشاريع الطائفية كانت حاضرة في هذا الصراع. من جهة، تسعى إيران عبر ذراعها الحوثي إلى استماله الجنوب ضمن مشروعها الأيديولوجي، سواء عبر العودة الى الفكر الإشتراكي المنتهي او عبر نشر الفكر الشيعي الزيدي، الذي لا يمت بأي صلة للنسيج الثقافي الجنوبي.

في المقابل، فإن التطرف الديني، سواء بواجهته الاخوانية او الحوثية عمل بدوره على فرض قراءة أحادية للدين، لا تعترف بأي هوية جنوبية، وكلاهما تعتبر تراثه الديني والاجتماعي جاهلية يجب تصفيتها. وهكذا، يجد الجنوب نفسه بين مطرقة التطرف الشيعي وسندان التطرف الإخواني، في معركة لا علاقة لها بهويته التاريخية القائمة على الاعتدال، بهدف فرض هوية موحدة


فمنذ 1990، روج النظام اليمني لوهم الوحدة، لكن الحقيقة أن ما تم تطبيقه كان شكلاً آخر من الاحتلال، حيث تحولت اليمننة إلى أداة لاستئصال الهوية الجنوبية. من خلال تغيير المناهج التعليمية، ومحاولة فرض الهوية اليمنية ثقافياً وسياسياً، سعى نظام صنعاء إلى إقناع الجنوبيين بأنهم مجرد فرع تابع لليمن في تجاهل فج للحقائق التاريخية التي تثبت أن الجنوب كان كيان مستقل على مر العصور.

لم تكن اليمننة الا مشروع متكامل قائم على تهميش الجنوبيين، ونهب ثرواتهم، وتحويلهم إلى مجرد مواطنين من الدرجة العاشرة داخل ما يُسمى بالدولة اليمنية. لكن هذه المحاولات، رغم قسوتها، لم تنجح في طمس الوعي الجنوبي، الذي ظل يقاوم كل محاولات الذوبان القسري في الهوية اليمنية المصطنعة.

اليوم، ومع استعادة الوعي الجنوبي بزيف المشاريع الدخيلة، أصبح جلياً أن المعركة ليست مجرد نزاع سياسي كما يحاول البعض تصويرها، بل هي معركة وجودية، تهدف إلى حماية هوية شعب بأكمله من الاستلاب. من رفض الوصاية اليمنية، إلى مواجهة الإرهاب بكافة أشكاله، يخوض الجنوب معركة صعبة لكنها مصيرية، للحفاظ على كيانه المستقل، وتراثه الثقافي، وحقه في تقرير مصيره بعيد عن عبث المشاريع التي لا تخدم هويته ومصالحه الوطنية.

فيديو