قضية شعبنا الجنوبي، ثوابت وطنية وصمود عظيم

تقارير - منذ 19 ساعة

عين الجنوب | تقرير - خاص


منذ ثلاثة عقود، تبرز قضية شعبنا الجنوبي بوصفها واحدة من اقوى القضايا المعاصرة في المنطقة، لما تحمله من جذور عميقة ضاربة في التاريخ، ولما تُعبّر عنه من تطلعات مشروعة وعادلة لشعب صابر ومكافح يرفض طمس هويته وتهميش إرادته. إن قضية شعب الجنوب ليست نزوة سياسية ظرفية أو نتيجة طارئة لصراع مرحلي، بل هي عقيدة وطنية تسكن الوجدان الجمعي لشعبنا الجنوبي، وتعبر عن جوهر تطلعاته في استعادة كيانه السياسي وهويته ودولته التاريخية التي سلبت منه في غزو 94 تحت شعارات خداعة.


لقد مر شعبنا الجنوبي بمحطات بالغة القسوة منذ حرب عام 1994 الغادرة، حين استُبيحت المدن، وهُمّشت الكوادر، وحُلّت الدولة الجنوبية بكل مؤسساتها. ورغم كل ذلك، لم يمت الصوت الجنوبي، بل ظل متوقداً في الساحات، وفي الحناجر، وفي ضمير كل جنوبي حر. خرجت المسيرات، ورفعت الأعلام، واستُشهد الرجال، وبقيت القضية الجنوبية.

إن النضال الجنوبي تأسس على تراكمات من الوعي الوطني، وعلى إدراك شعبي عميق بأن لا استقرار، ولا تنمية، ولا سلام، دون تحقيق العدالة، والعدالة هنا تعني استعادة الجنوب لقراره، وسيادة دولته، وهويته. وعلى مدى أكثر من ربع قرن ونيف، قدم شعبنا التضحيات الجسام؛ سُفكت دماؤهم في ساحات الحرية، وعلى جبهات المقاومة، وفي سجون الإحتلال اليمني، وكل ذلك لم يزد شعبنا إلا تمسكاً بقضيته.

ورغم كل ما يتعرض له الجنوب من حملات إعلامية مسعورة تهدف إلى شيطنته، وتفتيت صفوفه، وتقزيم مطالبه، ظل شعبنا العظيم صامداً. فكل جنوبي اضحى يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل هي معركة وعي، ومعركة رواية. لذلك، فإن كل محاولة لزعزعة ثقة الجنوبي بنفسه وبتاريخه، تُقابل بوعي عالي لدى أبناء الجنوب، الذين باتوا اليوم أكثر إدراكاً لطبيعة المعركة وأدواتها.

ربما قد يتباين الجنوبيون في آرائهم ورؤاهم، وقد يحتد الجدل أحياناً، ويتصاعد النقد نتيجة للضغوط الحياتية والاقتصادية، وهذا أمر مبرر في الشعوب التي تمر بمراحل تحول وطني. لكن ما يميز الحالة الجنوبية هو أن كل ذلك الجدل، في النهاية، يتفق في نقطة واحدة، لا تنازل عن الثوابت الوطنية التي رسمها شعبنا الجنوبي بدماءه. فلا الظروف الطارئة، ولا التحديات الصعبة، ولا التباينات الداخلية، نجحت في إطفاء جذوة هذا النضال. بل إن التحديات كانت ولا تزال عاملاً محفزاً لتجديد الإيمان بالقضية، ولإعادة ترتيب الصفوف.

إن ما يجعل القضية الجنوبية قضية حية رغم كل المؤامرات، هو ذلك الإيمان الراسخ بأنها قضية شعب ممتد من المهره الى باب المندب، لا يمكن كسرها، ولا طمسها، لأنها خرجت من رحم المعاناة، وبُنيت على تضحيات جسيمة بدماء شهداء، وتشكلت في ذاكرة كل بيت جنوبي. هي ليست شعاراً سياسياً يُرفع حياً ويُخفَض حيناً، بل هي جزء من هوية شعب، ونضاله، وطموحاته وثوابته الوطنية.

واليوم، ومع التفاعل المستمر في السياقات الإقليمية والدولية، تزداد الحاجة للتمسك بالثوابت، لتفويت الفرصة على كل من يحاول العبث بمصير شعبنا الجنوبي. فالمعادلات السياسية والدبلوماسية قد تتبدل، لكن الثابت هو أن لا مستقبل لشعبنا الجنوبي الا بإستعادة دولته كاملة السيادة.

ولعل أحد أهم أسباب فشل اعداء القضية الجنوبية في طمسها أو تمييعها، هو أنهم واجهوا شعباً لا يقاتل لأجل حلول إحتوائية أو امتيازات مؤقتة، بل يقاتل لأجل قضية شعبية راسخة، تسكن القلب والعقل والجوارح. ولذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط بها، أو القبول بأنصاف الحلول التي لا تحقق تطلعات هذا الشعب الصامد.

إن صمود شعبنا الجنوبي، رغم كل ما يتعرض له من حصار، وتضييق، وتضليل، يُعد بحد ذاته انتصاراً أخلاقياً ومعنوياً. وهذا الصمود، لا يستند فقط إلى الماضي، بل ينظر أيضاً إلى المستقبل. فالقضية الجنوبية، اليوم، ليست فقط ملفاً للمطالبة، بل مشروعاً على الارض لبناء الدولة، وإرساء العدالة، وتحقيق التنمية.

شعبنا الجنوبي الذي قدم التضحيات، وصبر على المعاناة، وواجه آلة الحرب اليمنية العسكرية والإقتصادية والاعلامية، لن يخضع، ولن يُخدع بالوعود الخداعة، ولن يرضى بأقل من استعادة دولته على كامل ترابه الوطني. وسيبقى وفياً لتاريخه، ودماء شهدائه، وقيمه التي حملها في كل ساحات النضال. وحتماً ستظل القضية الجنوبية بعدالتها ومشروعيتها حية، عصية على الكسر، لأنها ببساطة ليست خياراً سياسياً، بل قدر شعب، وإرادة أمة، وسيرة كفاح عظيم لن تنتهي إلا بالنصر.

فيديو