علاقات متحركة في نسيج الأزمات والتحالفات الدولية

السياسة - منذ 6 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص

عالم اليوم فعلاً معقد بسبب تشابك المصالح وتقاطعها، تفسرها الأحداث، حيث أن كل تطور محلي يرتبط بشبكة أوسع من التحولات الإقليمية والدولية. وما يحدث في الجنوب هو مثال واضح على هذا التداخل.

في العاصمة عدن، يشهد ملف الأمن خطوات تدريجية نحو التحديث، كما تجلى في لقاء مدير أمن العاصمة مع وفد الإنتربول لمناقشة برامج تدريب متقدمة. وعلى الجهة الأخرى، تحبط القوات الجنوبية عملية تهريب بشري قبالة سواحل لحج، تشمل اعتقال عناصر متورطة وضبط أكثر من 130 مهاجراً غير شرعي من أصول أفريقية. هذه التفاصيل الامنية، هي مؤشرات على سعي جاد لبناء مؤسسات قادرة على مواجهة التحديات العابرة للحدود، وسط بيئة جيوسياسية متداخلة.

ومع ذلك، تبقى التحديات متنامية. فالمعلومات الواردة من جبهات شبوة تفيد بتنسيق ميداني بين قوات موالية لحزب الإصلاح ومليشيات حوثية، في محاولة لتقويض الاستقرار من خلال تحالفات لا تخدم سوى الفوضى والارهاب. ويتزامن هذا مع تحركات دبلوماسية، مثل زيارة نائبة رئيس بعثة السفارة الألمانية يانينا كوبفمولر للواء فرج البحسني، حيث ناقشا تطورات الوضع في الجنوب وآفاق التعاون.

هذا التزامن بين التحركات الميدانية والدبلوماسية، يعكس ما يشبه إعادة تشكيل لموازين النفوذ. فالجنوب، وإن كان يخوض معركة لبناء الدولة، إلا أنه بات ضمن حسابات اللاعبين الدوليين الباحثين عن توازنات جديدة في منطقة استراتيجية.

الظاهرة ذاتها تتكرر على نطاق عالمي. ففي خطوة تهدئة مؤقتة، وافقت واشنطن وبكين على خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، في مؤشر على رغبة الطرفين في كسب الوقت وإعادة ترتيب الأوراق. الصين تستثمر هذا الهامش لتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع قوى إقليمية، أبرزها الشقيقة الكبرى، عبر اتفاقيات تصدير وتعاون دوائي. وفي المقابل، تتهيأ الرياض لاستضافة قمة قادة مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو ما يعكس طموحها لتثبيت دورها كصانع توازنات في النظام العالمي الداعم لنهج متعدد الاطراف.

في هذه البيئة، يصبح كل تصريح وكل لقاء عنصراً من عناصر رسم المشهد الجديد. تصريحات د. أنور قرقاش حول الغيرة السياسية من صعود الإمارات العربية المتحدة الشقيقة تعبر عن إدراك واع لدى الأشقاء في الخليج العربي بأن التحولات الجارية سواء في المملكة العربية السعودية او الإمارات العربية المتحدة ليست محل قبول دائم في عواصم القرار التقليدية، خاصة تلك العواصم التي اعتادت على فرض أجنداتها وهمينتها، شرقاً او غرباً.

وفي مشهد أكثر تعقيداً، تبقى الأزمة الروسية الأوكرانية حاضرة. محاولات ابرام الهدنة الأخيرة التي وصفت بأنها هدنة قاتلة تعكس أنها ليست اتفاق سلام، بل فرصة لإعادة التموضع الاستراتيجي لقوات كييف التي تتعرض لضغط عسكري روسي مؤخراً. ومن هذا المنظور، فإن معظم التفاهمات الدولية الراهنة قد تكون مؤقتة، في انتظار رسم شكل النظام الجديد سلباً او ايجاباً لطرف على آخر او لكل الاطراف.

الجدير بالذكر أن مراكز القرار لم تعد حكراً على واشنطن أو أو باريس. اليوم، تصعد عواصم مثل الرياض، أبوظبي، بكين، وموسكو لتكون مراكز تأثير حقيقية. وهذا يفسر لماذا أصبح التفاعل بين ما هو محلي وما هو دولي أكثر وضوحاً، ولماذا لم يعد بالإمكان قراءة أي حدث بمعزل عن سياقه الأوسع. 

لقد اضحى جلياً أننا أمام نظام عالمي يعاد تشكيله، حيث لم تعد الحدود تفصل بين الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، بل تتقاطع ضمن شبكة مصالح متحركة. وحدها الدول التي تدرك هذا التشابك وتتصرف بمرونة استراتيجية وإتزان هي التي ستتمكن من الحفاظ على مكانتها. لأن قراءه المشهد بعيون ضيقة يعني البقاء خارج المعادلة.

المراجع

أخبار الإنتربول – تقارير التعاون الأمني، 2025.
المركز الإعلامي للقوات الجنوبية – ضبط عملية تهريب في لحج، مايو 2025.
تقارير صحفية محلية بشأن التنسيق بين الحوثي والإصلاح – مايو 2025.
زيارة الدبلوماسية الألمانية، 12 مايو 2025.
Reuters – U.S. and China agree to 90-day tariff pause ابريل 2025.
تعزيز التعاون التجاري بين الصين والسعودية، مايو 2025.
الموقع الرسمي لمؤتمر ميونيخ للأمن – أخبار تحضيرات القمة في الرياض، مايو 2025.
تغريدة أنور قرقاش الرسمية – تويتر، 12 مايو 2025.
RT – تقرير حول الهدنة الروسية الأوكرانية ووصفها بـ القاتلة، مايو 2025.

فيديو