قراءه في الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشقيقة الكبرى.

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تقرير - خاص


في اليوم الأول من الزيارة التي ستسجل في تاريخ العلاقات الدولية، نحو مشهد يختزل التحول الجذري في التحالفات الاستراتيجية العالمية. هذه الزيارة التي تأتي في منتصف عام 2025، تمثل نقطة دبلوماسية في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والشقيقة الكبرى التي تتحول بثبات إلى قوة تكنولوجية واقتصادية صاعدة.

لقد سبقت هذه الزيارة سنوات من التوتر في العلاقات الثنائية، خاصة خلال فترة إدارة بايدن التي اتبعت سياسات أكثر تشدداً تجاه المملكة في ملفات حقوق الإنسان. لكن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت صفحة من الشراكات التكنولوجية. الوفد المرافق للرئيس ترامب، والذي يضم نخبة من أبرز قادة الصناعة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة، يشير إلى رغبة واشنطن في إعادة تشكيل التحالف مع الرياض على أسس جديدة، تتجاوز النفط والأسلحة إلى عالم التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، مثلها تصريح الرئيس ترامب عن قرار تاريخي بتخفيف القيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات المتقدمة إلى السعودية. هذا القرار يمثل تناقضاً كاملاً على سياسة قاعدة الانتشار الصارمة التي اتبعتها الإدارة السابقة، والتي كانت تعتبر الشقيقة الكبرى دولة مثيرة للقلق في مجال الانتشار التكنولوجي. التفاصيل الدقيقة لهذا القرار تكشف أن واشنطن ستسمح للشركات الأمريكية بتصدير، رقاقات الذكاء الاصطناعي من الجيل المتطور، وتقنيات معالجة البيانات الكمية، وأنظمة الحوسبة السحابية المتقدمة، والاستفسار المتبقي يكمن في هل سيكون هناك شرط وهو استخدامها لأغراض مدنية، مع وجود آليات مراقبة أم لا؟

أيضاً تصريح ديفيد ساكس، كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي، عن اعتبار المملكة العربية السعودية شريكاً رئيسياً في تشكيل مستقبل التكنولوجيا، فالشراكة المعلنة تتضمن بنوداً استراتيجية عميقة نتكهن منها، إنشاء مركز أبحاث سعودي-أمريكي مشترك للذكاء الاصطناعي، برنامج تبادل علمي لنقل الخبرات في مجال التعلم العميق، ومشاريع مشتركة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والمدن الذكية. هذه المبادرات تضع السعودية في مصاف الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وتفتح الباب أمام تحول المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للابتكار التكنولوجي.

كما أن إعلان الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، عن قرب رؤية المركبات ذاتية القيادة في السعودية خلال العام الجديد، هو تتويج لسنوات من التحضير والاستثمار في البنية التحتية الذكية. ومن الممكن ان يتضمن، شبكة طرق ذكية مزودة بأجهزة استشعار متطورة، أنظمة اتصال من مركبة إلى مركبة، ومراكز تحكم تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإدارة حركة المرور. هذا التحول هو تطور تقني ملفت ويمكن أن نعتبره جزء من رؤية شاملة لإعادة تشكيل نمط الحياة في المملكة، وجعلها نموذجاً للتنقل الذكي في المنطقة.

الاهم من ذلك كله هو البرنامج النووي السعودي، حيث تجري حوارات حوله. ما يميز هذه الجولة هو فصلها الكامل عن قضية التطبيع مع إسرائيل، وهو شرط كانت إدارة بايدن تفرضه. السعودية من جانبها تطرح رؤية طموحة تشمل، بناء عدة مفاعلات نووية بحلول 2040، وتطوير قدرات محلية في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، بحانب انشاء مركز وطني للأبحاث النووية.

اللقاءات بين رؤساء الشركات الأمريكية وحلفاءهم في المملكة تكشف عن تحول جذري في طبيعة العلاقات الاقتصادية. جين فريزر من سيتي جروب. لاري فينك من بلاك روك. وأرفيند كريشنا من آي بي إم. هذه اللقاءات تشير إلى أن الاقتصاد السعودي أصبح جاذباً للاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة.

هذه الزيارة التاريخية لا تقتصر آثارها على البلدين، بل تمتد لتشكل خريطة التحالفات في المنطقة والعالم. فالتحالف السعودي-الأمريكي في مجال التكنولوجيا سيكون له انعكاسات على؛ التوازن الاستراتيجي مع إيران، والتنافس مع التحالفات الصينية-الروسية، بالإضافة الى مكانة السعودية في نظام الطاقة العالمي الجديد
كما أنها تضع دول الخليج الأخرى أمام خيارات صعبة في ظل هذا التحول الكبير في التحالفات.

زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض تُمثل إعلان عن تحالفات تتجاوز البعد السياسي، تتشارك فيه القوى التقليدية والصاعدة في قيادة التطور التكنولوجي والاقتصادي. السعودية، من خلال هذه الشراكة الاستراتيجية، تؤكد مكانتها كفاعل رئيسي في تشكيل مستقبل المنطقة، كمركز للابتكار والتقنية المتقدمة. الأسابيع والأشهر القادمة ستكشف المزيد من تفاصيل هذا التحول التاريخي، الذي قد يعادل في أهميته التحالفات الكبرى التي شكلت حاضرنا الحالي.

فيديو