المملكة العربية السعودية، قراءة للنموذج المدني الطموح، بين الأصالة والحداثة

دراسات وتحليلات - منذ 16 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص

شهدت الشقيقة الكبرى مسيرة تنموية فريدة خلال العقود الماضية، تميزت بالتوازن بين الأصالة والحداثة في وقت كانت فيه المنطقة تعيش حالات اضطراب ملحوظ. هذه التجربة تنبع من رؤية استراتيجية واضحة تجسدت في خطط تنموية طموحة ركزت على بناء الإنسان وتطوير البنية التحتية مع الحفاظ على الثوابت الوطنية والهوية العربية الإسلامية والنماء.

في خضم الخطابات الإيديولوجية التي سادت في السبعينيات الى مطلع الالفية، اختارت المملكة نهجاً مختلفاً يركز على التنمية العملية بدلاً من الخطابات الثورية او الدينية المتشددة. هذا النهج تجلى في إنجازات ملموسة شملت مختلف جوانب الحياة. نظام التعليم شهد قفزة نوعية ببناء آلاف المدارس والجامعات في جميع المناطق، بما في ذلك المناطق النائية، مع توفير برامج الدعم الشامل للطلاب من المنح الدراسية إلى التغذية المدرسية.

في مجال البنية التحتية، تحولت التحديات الجغرافية إلى فرص للابتكار. مشاريع الكهرباء والطرق والناطحات والمدن الذكية مثلت نموذجاً للإصرار على تحقيق التنمية المتوازنة، حيث استخدمت تقنيات متقدمة مثل النقل الجوي للمعدات الثقيلة لبناء مشاريع عملاقة. ونقل الخبرات وبناءها ومواكبة التطور التكنولوجي العالمي بخطى حثيثة.

في المقابل تجربة المملكة في خدمة ضيوف الرحمن تبرز كأنموذج عالمي يجمع بين العمق الاسلامي والتميز التنظيمي. نظام إدارة الحشود الذكي، والبطاقات الإلكترونية، وتطبيقات الخدمات الرقمية للحجاج، كلها تعكس تكاملاً فريداً بين الهوية الاسلامية والتقنية الحديثة. هذا النموذج المتكامل للضيافة الرقمية جعل مناسك الحج أكثر يسراً وسلامة لملايين المسلمين سنوياً، ولعل ما شهدته المملكة الشقيقة من تنظيم حج هذا العام يعكس مستوى متقدم للإدارة والتخطيط والتنظيم لا يمكن لأي دولة اخرى تقديم ما يشبهه.

على المستوى الدولي، حافظت المملكة على سياسة خارجية متوازنة ركزت على بناء الجسور وبناء التحالفات بدلاً من إشعال الصراعات، بدليل حفاظها على استقرار دول الخليج العربي لعقود، واهتمامها بقضايا الشعوب الحرة في المنطقة العربية وخارجها. هذا النهج الحكيم أسهم في تحولها اليوم إلى مركز دبلوماسي وإقتصادي رئيسي، حيث أصبحت جسراً للتواصل بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

التجربة السعودية تقدم درساً مهماً في أولوية التنمية الشاملة على الخطابات الإيديولوجية او تصديرها، وضرورة الربط بين التقدم التقني والأصالة الثقافية. هذه الرؤية المتكاملة هي التي مكنت المملكة من تحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة مع الحفاظ على استقرارها الاجتماعي والسياسي في منطقة شهدت الكثير من التقلبات.

اليوم، وفي ظل رؤية 2030، تواصل المملكة مسيرتها التنموية بخطى ثابتة، معززة مكانتها كقوة إقليمية فاعلة تسهم في استقرار المنطقة وازدهارها من عدن جنوباً الى بيروت ودمشق شمالاً. هذا المسار يعكس حكمة القيادة السعودية في الموازنة بين متطلبات التحديث المواكب للتطور العالمي وثوابت الهوية العربية والاسلامية، بين متطلبات التنمية وضرورات الاستقرار، لتصبح نموذجاً ملهماً للتنمية المستدامة في المنطقة والعالم.

فيديو