تفكيك البنية الفكرية لتنظيم الإخوان بين المطالب والاستعدادات الدولية

دراسات وتحليلات - منذ 14 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص


تشهد الساحة السياسية والفكرية اطروحات اكثر واقعية في التعامل مع تنظيم الإخوان المسلمين، حيث تتجاوز المقاربات الأمنية التقليدية إلى مواجهة أعمق تستهدف البنية الفكرية التي تغذي التنظيم. هذا التحول يأتي في وقت تكثف فيه دول عديدة جهودها لمواجهة الخطر الأيديولوجي الذي يمثله التنظيم، خاصة بعد الفوضى والخراب التي شهدتها المنطقة جراء صعود جماعات الإسلام السياسي.

في السياق العربي، تبرز دعوات متزايدة لتبني استراتيجية شاملة لا تقتصر على التصنيف الأمني للإخوان كتنظيم إرهابي، بل تمتد إلى تفكيك المنظومة الفكرية التي شكلت أساس وجودهم. تقارير عدة تؤكد أن خطر الجماعة لم ينبع فقط من ممارساتها العنيفة وتورطها في الارهاب، بل من محاولاتها التضليلية على تقديم نفسها كبديل شرعي للإسلام، حيث نجحت في تسويق نسختها الخاصة من الفهم الديني التي تخلط بين الفقه التقليدي وأيديولوجيا التمكين السياسي، والتوظيف الإنتقائي، والتأويل المتطرف.

الكاتب الصحفي هاني مسهور يسلط الضوء في تحليله على ضرورة تشكيل لجنة علمية-شرعية متخصصة مهمتها تفكيك الأيديولوجية الإخوانية التي بنيت على تأويلات انتقائية للنصوص الدينية، وتوظيف نمطي، يخدم أجندة التنظيم. هذه اللجنة المطلوبة، بحسب التقرير، يجب أن تمتلك الجرأة الكافية لمساءلة المفاهيم التي رسختها الجماعة مثل فقه الحاكمية والبيعة التنظيمية و التكفير الناعم للمخالفين، والتي حولت الدين من علاقة بين العبد وربه إلى أداة للصراع السياسي، وإثارة الفوضى في مسعى للوصول الى السلطة فقط.

على الصعيد الدولي، تكشف تقارير إعلامية عن استعدادات فرنسية لاتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة تمدد الإخوان الأيديولوجي على أراضيها. الخبير الفرنسي رولاند لومباردي يؤكد أن التحذيرات من هذا التمدد ليست لحظية، مما يدل على استمرارية الخطر رغم كل الإجراءات الأمنية السابقة.

هذه التحركات المتزامنة في أكثر من عاصمة تعكس إدراكاً متزايداً أن المواجهة الأمنية وحدها لم تعد كافية لاجتثاث إيديولوجية تنظيم الإخوان. فالجماعة، بحسب المراقبين، انتهجت أساليب مختلفة تعمل على إعادة إنتاج نفسها تحت مسميات عديدة، بعضها قائم على السرية او التقية، مستفيدة من شبكة معقدة من المؤسسات والخطاب الديني المسيس الذي يخترق الحدود الجغرافية والثقافية.

الخبراء يشيرون إلى أن المعركة الحقيقية تكمن في كسر هذه الدائرة عبر مواجهة فكرية نقدية منظمة تعيد تعريف المفاهيم الدينية الأساسية التي شوهتها أيديولوجيا الإخوان او استغلتها على مدى عقود. هذا يتطلب، بحسب التحليلات، جهداً مؤسسياً يشارك فيه علماء دين ومفكرون وخبراء أمنيون لتفكيك النظم الفكرية للجماعة التي تسللَت إلى عقول بعض المسلمين.

في الوقت نفسه، تؤكد التقارير أن المواجهة الفكرية يجب أن تسير بالتوازي مع تعاون دولي لمتابعة وتحييد تحركات التنظيم عبر الحدود، خاصة في ظل المعلومات التي تشير إلى تحول بعض قياداتها إلى العمل من دول أوروبية تحت غطاء حقوقي وإعلامي، لا يخلوا من التوظيف الذي ربما تستغله أطراف أخرى.

هذه المقاربة الشاملة التي تجمع بين المواجهة الفكرية والإجراءات الأمنية والسياسية اضحت اليوم خيار استراتيجي لا مفر منه للدول التي عانت من تداعيات الفوضى التي صنعتها جماعات الاسلام السياسي. فالتجربة التاريخية أثبتت أن ملاحقة الأفراد بينما تبقى الأفكار، هي معركة غير مجدية على المدى الطويل، وأن النجاح الحقيقي يبدأ باجتثاث الجذور الفكرية التي تغذي التنظيم، وإخضاعها للتفكير النقدي والكشف الاستدلالي.

تشير كل المؤشرات إلى أن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة في مواجهة التنظيم، حيث تتحول المعركة من دائرة الأمن إلى ساحات نحو اعادة بناء الفكر المتزن والتربية السمحة والإعلام الذي يعزز الاستقرار، والتحصين الواعي، في مسعى لكسر براثن التوظيف السياسي والأجندات التنظيمية الاستغلالية، والتي بطبيعتها أقيمت على أساس الفرد والمجتمع والاسلام في خدمة اجندة التنظيم، مما أنتج حقبة جديدة من عدم الاستقرار وانهيار النظم والقيم الاسلامية السليمة على مدى قرن كامل.

فيديو