وادي حضرموت يهدر بصوت الجنوب: جماهير غفيرة تؤكد التفويض “للانتقالي”

دراسات وتحليلات - منذ 7 ساعات

 عين الجنوب| سيئون  

في مشهد وطني مهيب، تدفقت حشود جماهيرية غير مسبوقة إلى مدينة شبام التاريخية، بوادي حضرموت، اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر الجاري، لتجديد العهد والولاء للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في واحدة من أكبر الفعاليات الشعبية التي شهدتها المحافظة منذ تأسيس المجلس عام 2017.

الفعالية التي احتضنتها مدينة شبام، وتزينت من أجلها سماء مدن الوادي، رددت فيها الحناجر هتافات تملأ الأفق تأكيداً على وحدة الصف الجنوبي وتمسك الشعب الحضرمي بخيار استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المنشودة.

هذه الحشود، التي جاءت من مختلف مديريات حضرموت الساحل والوادي والصحراء، حملت رسائل سياسية وشعبية متعددة، أبرزها التأكيد على أن حضرموت كانت وستظل جزءاً أصيلاً من المشروع الوطني الجنوبي، وأنها لن تقبل أي وصاية أو محاولات لتفتيت إرادتها الجامعة.

وتحت لهيب شمس أكتوبر، سار المواطنون على الأقدام من القرى والمناطق المجاورة نحو ساحة الفعالية، رافعين الأعلام الجنوبية وصور الرئيس الزُبيدي، ومرددين الشعارات التي تعبّر عن الوعي الجمعي الجنوبي ورفض أي مشاريع التفاف على قضية الجنوب. وبحسب شهادات الحاضرين، فقد كان المشهد بمثابة استفتاء شعبي صريح يجدد التفويض للمجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره الممثل السياسي لقضية الجنوب.


وتحدث العديد من المشاركين عن فخرهم بالمشاركة في هذه المليونية، معتبرين أن الرسالة وصلت بوضوح إلى الداخل والخارج، بأن حضرموت لا يمكن فصلها عن محيطها الجنوبي، وأن وادي حضرموت لن يبقى رهينة لأجندات قوى النفوذ الشمالية التي ما زالت تسيطر على مفاصل السلطة في مناطق الوادي تحت غطاء القوات العسكرية القادمة من خارج المحافظة.

الأهمية والدلالة

تأتي هذه الفعالية في توقيت حساس تمر به البلاد، حيث تبرز مجدداً أزمة الثقة بين الشارع الجنوبي ومجلس القيادة الرئاسي، الذي لم يتمكن من تحقيق أي اختراق سياسي أو اقتصادي منذ تشكيله في أبريل 2022.

ومع تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الخدمات وانهيار العملة وتفاقم الفساد، بدا واضحاً أن المجلس الانتقالي الجنوبي يحظى بدعم متزايد من الجماهير التي ترى فيه القوة السياسية الوحيدة القادرة على الدفاع عن مصالح الجنوب.


منذ سنوات، يطالب أبناء حضرموت بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من الوادي، التي يرونها رمزاً للنفوذ الشمالي، وتشكيل قوات حضرمية خالصة تحت إشراف السلطة المحلية والمجلس الانتقالي. وقد تحولت هذه المطالب إلى قضية رأي عام، خصوصاً بعد سلسلة من الاغتيالات والانتهاكات الأمنية التي طالت مدنيين ونشطاء في مناطق الوادي، وسط اتهامات لتلك القوات بالتواطؤ أو التقصير.

هذه الفعالية الجماهيرية، أكدت مجددا أن المجلس الانتقالي الجنوبي ما زال يحظى بشرعية الشارع، وأن التفويض الشعبي الذي منحه الجنوبيون له في 2017 ما يزال قائماً ومتصاعداً.

الحضور الكثيف، والتنظيم الدقيق، والهتافات التي امتدت لساعات، كلها تعكس حالة الوعي الوطني التي ترسخت لدى أبناء الجنوب خلال السنوات الماضية، ورفضهم القاطع لأي مشاريع تجهض تطلعاتهم نحو التحرر والاستقلال.

اللافت أن الفعالية لم تكن مجرد استعراض جماهيري، بل شهدت أيضاً مداخلات من ناشطين وشخصيات اجتماعية أكدت على وحدة الصف الجنوبي وضرورة الالتفاف حول القيادة السياسية للمجلس الانتقالي.


وأجمع المتحدثون على أن حضرموت، بكل ثقلها الاقتصادي والجغرافي، هي ركيزة أساسية في بناء الدولة الجنوبية القادمة، وأن أي حديث عن فصلها أو إخراجها من هذا الإطار يُعد محاولة فاشلة لزرع الفتنة.

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الجنوبي خالد الجابري في تصريح خاص: “ما شهدناه في وادي حضرموت هو تجسيد عملي للإرادة الجنوبية الحرة. هذه الحشود الهائلة تمثل استفتاءً حقيقياً على الشرعية الشعبية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ورسالة قوية إلى الداخل والخارج بأن الجنوبيين متمسكون بحقهم في تقرير مصيرهم بعيداً عن الوصاية”.

وأضاف الجابري: “حضرموت ليست ساحة صراع بين قوى النفوذ، بل هي قلب الجنوب النابض، ولن تقبل أن تكون جزءاً من معادلات سياسية عابرة تتجاهل تضحيات أبنائها وتاريخها الممتد في النضال الجنوبي. إن هذا الحشد الجماهيري يؤكد أن المجلس الانتقالي هو الممثل الشرعي لقضية الجنوب، وأن التفويض الشعبي يتجدد يوماً بعد يوم”.


وأشار إلى أن هذه الفعالية جاءت في وقت حساس لتعيد التوازن إلى المشهد السياسي، خصوصاً بعد محاولات بعض الأطراف في الحكومة استخدام ملف حضرموت كورقة ضغط في التفاهمات مع القوى الإقليمية.

وادي حضرموت: منبر للهوية الجنوبية

منذ عقود، شكّلت حضرموت، بواديها وساحلها، ركيزة أساسية في الهوية الجنوبية، وكانت ولا تزال منبعاً للثقافة والسياسة والاقتصاد في الجنوب.

إلا أن المرحلة التي أعقبت الوحدة عام 1990 شهدت تهميشاً ممنهجاً للمحافظة، وجرى تحويل وادي حضرموت إلى منطقة نفوذ عسكري شمالي، الأمر الذي خلق فجوة عميقة بين المواطنين والسلطة المركزية.

واليوم، ومع تصاعد الوعي السياسي في أوساط الجنوبيين، أصبحت حضرموت في طليعة المحافظات التي تطالب بالتحرر من الهيمنة العسكرية والإدارية المفروضة عليها، وتؤكد أن مستقبلها لا يمكن أن يكون إلا ضمن دولة جنوبية مستقلة تضمن العدالة والتنمية والمواطنة المتساوية.


تحدث الصحفي الجنوبي داوود بن سلم، وقال: “المليونية التي شهدها وادي حضرموت ليست مجرد فعالية عابرة، بل هي حدث مفصلي يعكس عمق الانتماء الجنوبي في حضرموت. الرسالة التي وجهتها الجماهير اليوم واضحة: الجنوب واحد، والمجلس الانتقالي هو حامل لواء هذا المشروع الوطني”.

وأضاف بن سلم: “محاولات القوى المعادية تشويه صورة المجلس الانتقالي أو ضرب تماسك الجبهة الجنوبية باءت بالفشل، لأن الناس باتوا أكثر وعياً. المواطن الجنوبي يدرك أن المجلس الانتقالي هو الإطار السياسي الوحيد الذي قدم رؤية واضحة لمستقبل الجنوب، ويقود معركة الهوية والسيادة بثبات وحكمة”.

وتابع قائلاً: “من خلال هذه المليونية، أراد أبناء حضرموت أن يقولوا للعالم إنهم جزء من الجنوب ولن يقبلوا بأي ترتيبات سياسية أو أمنية تتجاوز إرادتهم. هذا الموقف الشعبي المتماسك يمنح الانتقالي قوة تفاوضية أكبر في أي عملية سياسية قادمة”.


على أعتاب مرحلة جديدة

يرى المراقبون أن ما حدث في وادي حضرموت يشكل تحولاً مهماً في مسار قضية شعب الجنوب إذ أعاد تسليط الضوء على عمق الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي، في وقت تسعى فيه أطراف داخل مجلس القيادة الرئاسي إلى تهميش دوره. كما يؤكد أن الجنوب لم يعد قابلاً للتجزئة، وأن مشروع استعادة الدولة بات واقعاً تفرضه الجماهير على الأرض.

وجرت الفعالية وسط اهتمام إعلامي واسع، حيث غطتها وسائل إعلام محلية وإقليمية، فيما تداول ناشطون آلاف الصور والفيديوهات التي أظهرت ضخامة الحشد وعمق الالتفاف الشعبي. كما شاركت في المليونية قيادات سياسية وشخصيات اجتماعية من مختلف المحافظات الجنوبية، في رسالة وحدة وطنية تؤكد أن الجنوب يقف صفاً واحداً خلف قيادته السياسية.

الموقف الإقليمي والدولي


يرى محللون سياسيون جنوبيون أن هذا الحراك الشعبي في حضرموت يحمل دلالات تتجاوز الإطار المحلي، إذ يأتي في سياق متغيرات إقليمية مرتبطة بالهدنة في اليمن، والحراك الدبلوماسي المكثف الذي تشهده المنطقة. فالتفاف الشارع الجنوبي حول المجلس الانتقالي يعزز موقفه التفاوضي أمام القوى الإقليمية والدولية التي تبحث عن تسوية سياسية شاملة.

ويشير البعض إلى أن هذه الرسائل الشعبية يجب أن تُقرأ بعناية من قبل التحالف العربي والمجتمع الدولي، لأن تجاهل الإرادة الجنوبية يعني إطالة أمد الأزمة اليمنية. فالقضية الجنوبية لم تعد قابلة للتأجيل أو الالتفاف، بل أصبحت محوراً رئيسياً في أي حل سياسي قادم.

وعلى المستوى التنظيمي والسياسي، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي خطواته لتقوية مؤسساته في حضرموت، ودعم قوات النخبة الحضرمية، وتعزيز وجوده في وادي حضرموت سياسياً ومجتمعياً.

كما يسعى لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وفتح قنوات حوار داخلية تعزز وحدة الصف الجنوبي، خاصة مع القوى والشخصيات الحضرمية التي تؤمن بالمشروع الوطني الجنوبي.

وفي ضوء هذه التطورات، يرى مراقبون أن الجنوب مقبل على مرحلة جديدة من التوازن السياسي، حيث يتقدم الانتقالي بثقة في مشهد يعج بالتحديات. غير أن العامل الحاسم سيبقى هو مدى قدرة المجلس على تحويل هذا الزخم الشعبي إلى مكاسب سياسية واقتصادية ملموسة على الأرض.


فيديو