المشهد الاقتصادي العالمي لتحولات الطاقة النظيفة وثورة الذكاء الاصطناعي (2025-2030)

اقتصاد - منذ يومان

عين الجنوب | اقتصاد

تشهد الخريطة الاقتصادية العالمية تحولات جذرية غير مسبوقة، حيث تتراجع تدريجياً هيمنة النموذج الاقتصادي القائم على الطاقة التقليدية لصالح نموذج جديد يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: التحول نحو الطاقة النظيفة، والتسارع الكبير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإعادة هيكلة التحالفات الاقتصادية الدولية. هذا التقرير الشامل يرصد بالتفصيل هذه التحولات في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على التفاعلات المعقدة بين هذه العوامل وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.

في الشرق الأوسط، تتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مشهد التحول نحو الطاقة النظيفة. المملكة العربية السعودية لا تكتفي بمشروع نيوم العملاق للهيدروجين الأخضر، بل توسع استثماراتها في مجمعات الطاقة الشمسية مثل مشروع سكاكا في الجوف بقدرة 300 ميجاوات، ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح بقدرة 400 ميجاوات. كما أعلنت عن خطة طموحة لبناء أحد أكبر مراكز البيانات في المنطقة بالتعاون مع شركة "أوراكل"، والذي سيعمل بالكامل على الطاقة المتجددة. من جهتها، تواصل الإمارات تعزيز مكانتها الرائدة عبر مشروع "مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية" الذي سيصل قدرته إلى 5000 ميجاوات بحلول 2030، بينما تطور مشاريع رائدة لاحتجاز الكربون وتخزينه في أبوظبي.

في أوروبا، تشكل أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب في أوكرانيا حافزاً غير مسبوق لتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة. ألمانيا، التي كانت تعتمد بنسبة 40% على الغاز الروسي، ضاعفت استثماراتها في طاقة الرياح البحرية، حيث تخطط لإضافة 30 غيغاواط جديدة بحلول 2030. فرنسا، من جانبها، تعيد النظر في استراتيجيتها النووية مع خطط لبناء 14 مفاعلاً جديداً من الجيل الثالث.

روسيا، رغم العقوبات الغربية، تعمل على تعزيز شراكاتها الطاقة مع آسيا، حيث وقعت اتفاقيات مع الصين والهند لتوريد الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز الطبيعي مع تقنيات احتجاز الكربون. كما توسع روسيا استثماراتها في الطاقة النووية الصغيرة المتنقلة، والتي تهدف إلى تصديرها إلى الأسواق الناشئة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

في آسيا، تتصدر الصين والهند المشهد. الصين لا تزال القوة الأعلى استثماراً في الطاقة المتجددة، حيث تضيف سنوياً طاقة شمسية ورياحية تعادل استهلاك دول بأكملها. مشروع "الصحراء الكبرى للطاقة" في منغوليا الداخلية، والذي تبلغ قدرته 16 غيغاواط، هو الأكبر من نوعه عالمياً. أما في مجال الذكاء الاصطناعي، فأعلنت الصين عن خطة شاملة لتطوير 100 مركز وطني للذكاء الاصطناعي بحلول 2027، مع استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار. الهند، من جانبها، تشهد طفرة في الطاقة الشمسية مع مشروع "الحديقة الشمسية العملاقة" في ولاية راجستان بقدرة 10 غيغاواط، بينما تعمل على تطوير نظامها الوطني للذكاء الاصطناعي "INDIAai" الذي يركز على تطبيقات الزراعة الذكية والرعاية الصحية.

أمريكا اللاتينية تشهد تحولات كبيرة أيضاً. البرازيل تعزز مكانتها كقوة عالمية في الطاقة الحيوية، حيث تنتج بالفعل 30% من وقود الإيثانول العالمي، مع خطط لزيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر من مخلفات قصب السكر. تشيلي تستثمر بشكل كبير في تعدين الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، مع تطوير تقنيات استخراج أكثر استدامة. المكسيك، من جانبها، توسع مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية في منطقة الحزام البركاني، بينما تعمل على بناء أحد أكبر مراكز البيانات في أمريكا اللاتينية بالتعاون مع شركة "أمازون ويب سيرفيسز".

في أفريقيا، تبرز مشاريع مثل "الجدول الكبير للطاقة المتجددة" في المغرب، والذي سيصل قدرته إلى 10.5 غيغاواط، مع خطط لتصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا عبر كابل بحري. جنوب أفريقيا تعمل على تحويل مناجم الفحم القديمة إلى مراكز للطاقة النظيفة، بينما تطور كينيا مشاريع رائدة في الطاقة الحرارية الأرضية في منطقة الوادي المتصدع.

على صعيد الذكاء الاصطناعي، تشهد الولايات المتحدة سباقاً محموماً بين الشركات الكبرى. "مايكروسوفت" تستثمر 10 مليارات دولار في "أوبن إيه آي"، بينما تطور "جوجل" نموذج "جيميني" المتقدم. الاتحاد الأوروبي يعمل على إطار قانوني متكامل لتنظيم الذكاء الاصطناعي، مع تركيز خاص على حماية الخصوصية. اليابان وكوريا الجنوبية تخصصان مليارات الدولارات لتطوير ذكاء اصطناعي متخصص في الروبوتات والتصنيع الذكي.

التحديات العالمية لا تزال كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتوازن العرض والطلب على المعادن النادرة المستخدمة في التقنيات النظيفة، حيث تشير التقديرات إلى أن العالم سيحتاج إلى 3 أضعاف كمية الليثيوم الحالية بحلول 2030. كما أن قضية العدالة المناخية تبرز بشكل متزايد، حيث تطالب الدول النامية بمزيد من الدعم التكنولوجي والمالي لمواكبة التحول الأخضر.

الخلاصة التي يمكن استنتاجها من هذه التحولات العالمية أن الاقتصاد الجديد سيكون أكثر تكاملاً وتشابكاً من أي وقت مضى. الدول التي تستثمر في بناء القدرات المحلية في مجال الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على شراكات استراتيجية مرنة، هي التي ستتمكن من قيادة المشهد الاقتصادي في العقود القادمة. هذا التحول ليس مجرد تغيير في مصادر الطاقة أو أدوات الإنتاج، بل هو تحول جذري في الفلسفة الاقتصادية ذاتها، من نموذج قائم على صناعة الحروب والازمات والاستنزاف إلى نموذج أكثر تعاوناً وتكاملاً واستدامة

فيديو