الجنوب ومعايير الدولة في ضوء القانون الدولي وديناميات الواقع

الجنوب - منذ 15 ساعة

عين الجنوب | تقرير - خاص

في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، تبرز قضية شعب الجنوب كواحدة من أكثر القضايا عدالة وإلحاحاً، نظراً لطبيعتها الخاصة ومشروعها الوطني المتجذر تاريخياً، والمبني على أسس القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لقد أصبح واضحاً أن ما يُسمى باتفاقية الوحدة التي وُقعت في عام 1990 بين رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ورئيس الجمهورية العربية اليمنية لم تعد قائمة قانوناً أو فعلياً منذ أن تم الانقلاب عليها بقوة السلاح في حرب صيف 1994، حين اجتاحت القوات الشمالية أراضي الجنوب العربي وفرضت واقعاً بالقوة، مخالفاً لكل ما تم التوافق عليه في إطار الوحدة السلمية.

هذا الواقع الذي فُرض بالقوة قاد إلى عقود من التهميش الممنهج والاستبعاد السياسي والاقتصادي والإقصاء من مراكز القرار، وتحوّلت مؤسسات الدولة إلى أدوات للنهب والقمع بدلاً من كونها مؤسسات شراكة. وبذلك، لم تعد ما تُسمى بالوحدة تمثل عقداً رضائياً بين طرفين متكافئين، بل أصبحت حالة احتلال وهيمنة قسرية، مما يفقدها كل شرعية سياسية أو قانونية. 

كما أن تجدد الأزمة عقب اجتياح صنعاء من قبل ميليشيات الحوثي في 2014، ظهرت قضية شعب الجنوب إلى الواجهة، باعتبارها أحد أعمدة مسارات الحل الأساسية. وبينما فشلت كل محاولات التوافق في ظل مشروع الوحدة، فرض شعب الجنوب نفسه كطرف فاعل عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تمكن من إرساء سيطرة أمنية وإدارية فعلية على معظم مناطق الجنوب، بما في ذلك العاصمة عدن، ومناطق محورية مثل لحج والضالع وأبين وسقطرى وأجزاء من شبوة وحضرموت والمهرة.

وعليه، فإن من حق شعب الجنوب العربي، وفقاً للمواثيق الدولية، أن يستعيد دولته المستقلة ويقرر مستقبله السياسي بحرية، بعيداً عن الإكراه والاستغلال. ويتزامن ذلك مع ما يمكن وصفه بـ بوادر اعتراف غير مباشر دولي، سواء عبر إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي في مشاورات الرياض (2022) بدعم خليجي وأمريكي، أو من خلال اللقاءات المستمرة التي يعقدها المجلس مع مبعوثي الأمم المتحدة، وممثلي دول مؤثرة.

تحدد معاهدة مونتيفيديو لعام 1933 أربعة معايير أساسية لقيام الدولة: سكان دائمون، إقليم محدد، حكومة قائمة، القدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى

وبالعودة إلى حالة الجنوب
السكان الدائمون: يمتلك الجنوب قاعدة سكانية تتجاوز 8 ملايين نسمة، تجمعهم هوية تاريخية متميزة عن شمال اليمن، وذاكرة سياسية خاصة تعود لدولة الجنوب المستقلة (1967–1990).

الإقليم المحدد: يضم الجنوب مساحة واسعة تمتد من المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً ويشمل أهم الموانئ والمنافذ البحرية كعدن والمكلا وسقطرى.

الحكومة القائمة: يدير المجلس الانتقالي الجنوبي شؤون الأمن والخدمات جزئياً عبر قواته وهيئاته، ويملك مؤسسات سياسية وهيكل إداري يتمدد تدريجياً.

العلاقات الخارجية: يمتلك المجلس مكاتب تمثيل في عواصم دولية (واشنطن، لندن، موسكو، أبوظبي، وغيرها)، ويشارك في مشاورات السلام بدعم دولي.

وفقاً للقانون الدولي، فإن أي وحدة تُبنى على الإكراه أو الإخلال بالعهود، أو تؤدي إلى الاضطهاد أو الغزو أو الإلغاء القسري للكيانات السابقة، تعتبر باطلة. والوحدة اليمنية التي أُعلنت عام 1990، ثم انهارت فعلياً في حرب 1994 بعد غزو الجنوب، سقطت قانونياً وأخلاقياً، وهو ما يُعزز من حق شعب الجنوب في استعادة دولته وفقأ للمادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها.

وفي هذا السياق أعلن المجلس رؤيته الواضحة لدولة جنوبية فيدرالية حديثة، قائمة على: احترام حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب، تأمين الممرات البحرية (باب المندب وخليج عدن)، تعزيز الاستقرار الاقتصادي عبر شراكات دولية، قبول الإشراف الدولي ودعم جهود السلام

وهي رؤية تتوافق مع المعايير الدولية، وتخدم الأمن الإقليمي والدولي، بخاصة في ظل التهديدات المتنامية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

من أبرز الإشارات على وجود توجه دولي أكثر تفهماً للجنوب: لقاءات المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مع قيادة الانتقالي بشكل دوري، إشادة تقارير أوروبية بدور قوات الجنوب في مكافحة الإرهاب، حديث بعض الدوائر في واشنطن عن ضرورة التفكير في "حلول متعددة بدل وحدة فاشلة، دعم إماراتي-سعودي لجهود المجلس في تثبيت الأمن ومكافحة الإرهاب


استناداً إلى تلك المعطيات، فإن المجتمع الدولي، بما فيه الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للبلدان الأقل نمواً (OIPM)، مطالب بالاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره، ودعم انتقاله الآمن نحو دولة مستقلة، مستوفية للمعايير القانونية والدستورية، ومُكرسة لخدمة الأمن والاستقرار المحلي والاقليمي والعالمي.

فيديو