الإخوان، مسميات مختلفة لتنظيم بلا مبادىء، تتعدد الشعارات والكيانات والغرض واحد

السياسة - منذ 5 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص


في كل مرحلة من تاريخها، أثبتت جماعة الإخوان المسلمين أنها لا تتحرك وفق مبدأ ثابت أو مشروع واضح المعالم يخدم الأمة، بل وفق تكتيكات مرحلية تتلون بتلون البيئة وتخدم هدفاً واحداً: السيطرة، ثم البقاء، ثم الهيمنة الكاملة على المجتمع والدولة ومصادر القوة. ليست جماعة دعوية، وليست حزباً سياسياً، بل كيان يعمل بوجهين: واحد ناعم يحمل خطاباً "معتدلاً"، وآخر خشن متطرف، يخرج عند الحاجة كسلاح صريح للإرهاب والتخريب ونشر المخدرات. كلا الوجهين يُستخدم حسب الظرف، وكلاهما يخدم التنظيم لا الدين، والشعار لا القيم.

إذا رُفضوا، قالوا خيانة تارة للدين وتارة للوطن. وإذا انتصروا، قالوا ان الله يدافع عن المؤمنين. لأنهم دائماً يعتقدون أنهم على صواب، والناس صنفين إما مع فكر التنظيم أو ضده. إن تكلموا، فحديثهم حاكمية لله لا تناقش. وإن تكلم غيرهم، فهو جاهل مأجور أو ضال منحرف لا يفقه بالدين الا أسمه. حتى الفتوى الدينية، أصبحت عندهم أداة سياسية، يُحرّكونها حسب مصلحتهم. أما إذا تراجعوا عن فتوى سابقة، فلا مراجعة، بل "تكييف شرعي جديد"، لا يُسأل عنه أحد، فالمجتمعات جاهلة بطبيعتها.

كل ما يفعلونه يلبسونه لباس الشرع، ويُقدّمونه للناس كأمر إلهي وإن لم يعد الأمر مستصاغاً، أما سلوك الآخرين فباطل حتى لو وافق النص. يحتكرون الدين كما يحتكرون تفسيره وتأويله وتكيفه، ويحوّلون خصومهم إلى خصوم لله، ليُصبح كل خلاف معهم بمثابة حرب على الإسلام، وكل نقد لهم اعتداء على العقيدة، لا على فكرهم السياسي، الذي أضر شعوب المنطقة.

أخطر ما في هذا المشروع أنه لا يكتفي بممارسة السياسة، بل يسعى لاختراق كل مفاصل المجتمع: الإعلام، التعليم، الجمعيات، المساجد، وحتى النسيج الاجتماعي نفسه. يستخدمون الإعلام كسلاح أساسي: يبنون شبكات من القنوات والمواقع والمنصات لا لطرح الأفكار، بل لترويج سرديتهم المنحرفة، وتشويه خصومهم، ونشر الإشاعات والتضليل. أي معارض يُقدَّم في قنواتهم كمرتزق وخائن أو فاسد أو عدو لله.

وحين يتمكنون، لا يكتفون بالحكم، بل يسارعون إلى بناء مؤسسات للتنظيم من الجمعيات الى المساجد ومؤسسات الإعلام. يُفرغون الأجهزة من كفاءاتها، ويملؤونها بالولاءات لا الصريحة بل الخفية. في كل مكان يدخلونه، ينشئون شبكات ظلّ، تابعة لهم، تتغلغل في المؤسسات وتمتصّ قوتها وتُعيد توجيهها نحو مصالحهم، مستندين الى التأويل الشرعي المنصوص لآيات، الوعد بالتمكين.

أما المجتمع، فلا يسلم هو الآخر من مشروع التفكيك. يعملون على ضرب النسيج الاجتماعي باسم الدين، فيفرّقون بين مكونات الشعوب، ويخلقون عداوات تنظيمية وسياسية ومذهبية، ويربطون الولاء التنظيمي والعقائدي بالولاء للتنظيم، لا للوطن ولا للعقيدة نفسها. إن تحدثوا عن وحدة الأمة، فإنما يعنون وحدة الجماعة، وإن نادوا بالأخوة، فهم يقصدون الأخوان فقط.

ولأن مشروعهم لا يحتمل الوضوح، يُلبسون كل مرحلة ما يناسبها من الخطاب: في وجه، يظهرون بلباس الوعظ المعتدل، والمشاركة، والانفتاح، والخطاب الرزين. وفي الوجه الآخر، يُطلقون الأجنحة المتطرفة، التي تُكفّر وتفجّر وتخرب وتقتل وتثير الفتن، ثم يقولون: لا علاقة لنا بهؤلاء، رغم أنهم من صلب فكر الجماعة، ويتحركون بتنسيق واضح ضمن بنيتها الخفية. الوجه الأول يُخاطب الخارج والشارع، والآخر يُرهب الداخل ويؤمّن الولاء. إنها الازدواجية الكبرى، أو النفاق السياسي والدعوي المركّب.

حين يفشل مشروعهم وترفضهم الشعوب، ينهارون على الجميع: يُعلنون العداوة الناعمة والتسلسلية على الإعلام، ويزرعون الشك في كل خطاب، ويُفجّرون المجتمعات من الداخل. يستخدمون قوى الظل لنشر الفوضى والفتن والاشاعات، ويُحرّكون أدوات العنف الناعمة والخشنة والإرهاب لخلخلة الاستقرار، لأنهم يؤمنون أن الشعوب المتعبة او الجاهلة هي الفرصة المثالية للعودة مجدداً.

ليست مشكلتهم مع الاستبداد الخفي، ولا مع الظلم، ولا مع الفساد. بل مع كل من يمنعهم من التسلط باسم الدين الموظف سياسياً. وكل من يرفض إعطائهم مفاتيح المجتمع دون مساءلة يُصنّف تلقائياً في خانة أعداء الله، ومن منطلق الحاكمية لله (الجماعة).

في نهاية المطاف، لا يقدّم الإخوان مشروع إصلاح، بل يقدمون وصفة مؤكدة لانهيار المجتمعات. مشروعهم لا يبني الدول، بل يُقوّضها. لا يدعم خيار الشعوب، بل يُمزّقها. ولا يحرر المجتمعات، بل يأسرها تحت قداسة شعارات مزيفة، تحت رافعة فقة الواقع.

هذا التنظيم لا يهدد الشعوب فقط، بل يهدد فكرة الوطن نفسها. يُعيد تعريف كل شيء وفق رؤية التنظيم: الدين، الوطنية، الأخلاق، الحكم وحتى الحقيقة. ومن هنا، فإن كشف خطابه وفضح تناقضاته وتعرية أدواته، ضرورة لحماية المجتمع من الوقوع مرة أخرى في فخ "النفاق المغلّف بالإيمان"، و"التخريب المتنكر في ثوب الدعوة"، والعبرة في أحداث مابعد الربيع العربي.

فيديو