من محاولات أخونه المجتمعات الى النبذ الشعبي، ما دور الوعي في تحصين المجتمعات من الإختراق الإخواني

السياسة - منذ 5 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص


تحل الذكرى الثانية عشرة لسقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في لحظة بداية جسدت انكشاف منظومة كاملة من الاختراقات الفكرية والدينية في المنطقة برمتها، التي توهّمت قدرتها على اختطاف الشعب المصري والوعي العام. الثلاثون من يونيو لحظة فاضحة لمشروع أيديولوجي مموّه اختبأ طويلاً خلف أقنعة الوعظ ووعود العدالة، لينكشف لاحقاً عن نزعة هيمنة أيديولوجية لا تعترف بوطن إلا حين يكون تحت سطوتها، ولا ترى في الاستقرار سوى عائقاً أمام مشروعها التدميري.

اليوم، بعد اثني عشر عام، يتهاوى الغطاء السياسي والتنظيمي للجماعة في أكثر من ساحة. في تركيا، التي مثلت مظلتهم الإقليمية الأبرز، بدأت تتكشف مظاهر الطرد الهادئ، من رفض تجديد الإقامات إلى سحب الجنسية، في مؤشر على تراجع الحماية السياسية التي استظلت بها الجماعة خلال عقد مضى. أما في أوروبا، فقد تصاعد القلق من تغلغل الإسلام السياسي، وتحول الخطاب إلى مساءلة جادة حول فائدة وجود شبكات الجماعة في قلب المجتمعات الغربية، تحت ستار منظمات ثقافية ودينية، وحقوقية وإعلامية.

أن الجماعة التي درجت على الترهيب لم تُسقطها فقط الأجهزة أو الحكومات، بل الوعي الشعبي المتراكم. فالإخوان، الذين اعتادوا على تصدير خطاب مؤدلج، وجدوا أنفسهم محاصرين بشهادات الميدان: حرق الكنائس، مهاجمة مراكز الشرطة، حصار الإعلام، تدمير الشعوب، طمس الهويات وتهديد السلم الأهلي، كل ذلك تم باسم الدين، وبشعارات متناقضة.

كان الإخوان بارعين في بناء خطاب مزدوج، يستبطن التمكين باسم الديمقراطية تارة وباسم الدين تارة أخرى، ويخفي التكفير تحت مظلة الحرية، ويتحايل على الدول والشعوب باسم الكرامات الكاذبة، حين صلى الرسول خلف مرسي، وحين دعمها في ثورة توكل. ولكن هذا الخطاب انهار حين فُضحت سلميتهم المفخخة، وسقطت أقنعتهم أمام جماهير أدركت سريعاً أن الجماعة لا ترى في الوطن إلا وسيلة، وفي المواطن إلا أداة تعبئة.

تونس والجزائر كانتا نموذجان مختلفان لنفس المأزق. ففي الأولى، لم يتوقف المحيط الإخواني عن محاولات التشويه والتحريض على الدولة من الخارج، في سلوك يكرّس قطيعة تامة مع مفهوم الوطن. وفي الثانية، تُظهر الأحكام ضد بقايا الجبهة الإسلامية المحظورة، أن الإسلام السياسي لم يعد محل ثقة، حتى في الأنظمة التي استعانت به تكتيكياً في بعض المراحل.

تدريجياً، تنزاح الجماعة من معادلات الداخل والخارج، ليس فقط نتيجة ضربات أمنية، بل نتيجة فقدان الحاضنة الفكرية والاجتماعية، حيث بدأ يتبلور وعي جديد، يرى أن المعركة ضد الإخوان ليست معركة أجهزة، بل معركة سرديات: معركة على معنى الدين، ووظيفة السياسة، وحدود العولمة، وأهمية الدولة الوطنية النابعة عن ارادة الشعوب.

فما الذي يجب أن يحدث الآن؟ هل سيستجيب العالم، خاصة الغرب لمطالب الشعوب في تفكيك هذا الخطر الأيديولوجي وتحصين المجتمعات؟ أم ستجد هذه الشعوب نفسها، مرة أخرى، في مهمة إعادة تأهيل الوعي الجمعي، لحماية الدين من التوظيف، والدولة من الاختراق، والسياسة من التآكل بفعل نهج الإخوان؟

المؤشرات الأولية تقول إن التحول بدأ. فالعالم الذي منح يوماً المساحات لجماعات ذات خطاب مزدوج، بات يعيد النظر. والعواصم التي صمتت أمام عنف وارهاب وازدواجية الجماعة، بدأت تضيّق الخناق عليها. أما الشعوب، فقد أصبحت أكثر وعياً بأن الاستقرار ليس عيباً، وأن التنمية لا تنبت في ظل الفوضى الأيديولوجية الإخوانية، وأن الخطاب الديني السياسي حين يُوظَّف للهيمنة يصبح جزءاً من المشكلة، لا من الحل.

جماعة الإخوان الآن لم تعد قادرة على اختراق الوعي، كما كانت تفعل في السابق. ومع تراجع شبكاتها، وتشظّي خطابها، وتحول رموزها إلى مشردين ومطلوبين للعدالة على هامش الأحداث، يبرز سؤال مصيري: هل انتهى المشروع الإخواني، أم أنه يغيّر جلده بانتظار فرصة أخرى؟ فلطالما برز الإخوان كمنهج يجيد التلون والنفاق السياسي.

وبالرغم لا يزال الوعي، هو الجدار الناجع أمام عودة هذا الخطر. والوعي بدأ يتحرك. وما جرى في 30 يونيو لم يكن نهاية المعركة، بل بدايتها الحقيقية، معركة وجودية نحو إنهاء الخطر الإخواني معركة نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي النابع من ارادة الشعوب لا إيديلوجيات الإسلام السياسي والطائفي.

فيديو