تحليل : الوحدة القسرية.. كيف تحولت شراكة اليمن إلى مشروع صراع وتدمير هوية؟

دراسات وتحليلات - منذ ساعتان

عين الجنوب|| خاص :
منذ إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والجمهورية العربية اليمنية في الشمال، ظلّت آمال الشارع تتطلع إلى ميلاد دولة عربية قوية تجمع الشعبين تحت مظلة المساواة والعدالة وسيادة القانون. غير أنّ تلك الآمال سرعان ما تلاشت بسبب خلافات سياسية وعقائدية أسستها مشروعات مختلفة وأطماع متزايدة في مراكز السلطة والموارد.

ورغم أن نماذج وحدوية ناجحة مثل الوحدة الألمانية استندت إلى مواثيق مفصلة تجاوزت الألف صفحة، إلا أنّ المواثيق اليمنية لم تتعدّ بضع صفحات غير مكتملة، الأمر الذي خلق بيئة هشّة قابلة للانهيار السريع. ويشير باحثون إلى أن التوقيع على الوحدة بين الشطرين تمّ بطريقة "عجولة" دون معالجة هواجس كل طرف، بل وفي ظل غياب رؤية اقتصادية وإدارية مشتركة.

تهميش ممنهج

تؤكد شهادات لحقوقيين وسياسيين جنوبيين أن مرحلة ما بعد الوحدة شهدت سلسلة من عمليات التسريح الوظيفي استهدفت الآلاف من العسكريين والموظفين الجنوبيين، إلى جانب عمليات اغتيال طالت عدداً من القادة والنخب، ما خلق شعوراً عاماً بأن الشراكة غير متوازنة، وأن القوة المركزية في الشمال استحوذت على المناصب والمقدرات الاقتصادية والعسكرية.

كما تم نقل مؤسسات حكومية وعائدات نفطية ومرافق خدمية من الجنوب إلى الشمال. وبحسب تقارير محلية، هذا التحول ساهم في تفاقم الفجوة الاقتصادية، وزاد من معدلات البطالة في المحافظات الجنوبية مقارنة بنظيراتها الشمالية

 يرى محللون سياسيون أن استهداف القدرة الإدارية والاقتصادية للجنوب كان خطوة منظمة تهدف لتفريغ مؤسسات الدولة الجنوبية من كوادرها لسهولة السيطرة المركزية.

حرب 1994.. نقطة التحول

اندلعت الحرب بين الشمال والجنوب عام 1994، وانتهت بسيطرة النظام في صنعاء على مقدرات الدولة، الأمر الذي عمّق مشاعر الاغتراب السياسي لدى الجنوبيين، وجعل معظمهم يشعر بأن الوحدة تحولت إلى ضمّ وإلحاق بالقوة.

ويشير خبراء قانونيون إلى أنّ مبدأ "المواطنة المتساوية" انهار بشكل كامل بعد الحرب، وأن السلطة المركزية تعاملت مع ملف الجنوب باعتباره ملفًا أمنيًا وليس سياسيًا.

النهب المنظم للموارد

تذكر تقارير اقتصادية غير رسمية أن ثروات النفط والغاز والموانئ والقطاعات الاستثمارية في الجنوب تعرضت لعمليات استحواذ شبه كامل لصالح مجموعات نافذة في الشمال. وتسبب ذلك في بقاء المحافظات الجنوبية في دائرة الاحتياج رغم وفرة الموارد الطبيعية.


الحراك الجنوبي وثورة استعادة الدولة

مع تصاعد التوترات وتزايد عمليات الاغتيال والتهميش، أعلن الجنوبيون حراكًا سياسيًا واسعًا في 2007، تطور لاحقًا إلى مكوّنات سياسية وعسكرية استطاعت انتزاع السيطرة على معظم أراضي جنوب اليمن في 2015 ضمن أطر رسمية بدعم التحالف العربي.

ويتفق محللون على أن الجنوب اليوم يمتلك بنية أمنية متينة وجيشًا قادرًا على حماية الحدود، الأمر الذي يفتح الباب أمام مشروع استعادة الدولة وفك الارتباط كحل سياسي توافقي.

مواقف شمالية مختلفة: 

ورغم أن النخب السياسية في الشمال لا تزال تتمسك بخطاب "قدسية الوحدة"، إلا أن هناك أصواتًا شمالية وازنة بدأت تعترف بفشل التجربة، مفضّلة علاقة حسن جوار وعمل مشترك على قسرية الارتباط.وقال أحد الأكاديميين من صنعاء:الاحترام المتبادل بجواز سفر أفضل من وحدة يرافقها الدم والبغضاء."

بعد ثلاثة عقود، لم تحقق الوحدة اليمنية نموذجًا ناجحًا بالمقاييس الأخلاقية أو الاقتصادية أو السياسية. ومع استمرار الانهيار المؤسسي، يطرح خبراء رؤية تقتضي إعادة صياغة العلاقة بين الشمال والجنوب على أساس دولتين متجاورتين تتقاسمان الأمن والمصلحة، دون فرض مشروع غير قابل للاستمرار. لا توجد وحدة حقيقية بلا مساواة، ولا شراكة بلا عدالة، ولا مستقبل لوحدة تفرض بالقوة العسكرية أو الاقتصادية.

فيديو