الجنوب يستعيد ذاته: مرحلة التصالح والتسامح جسر عبور الماضي وبناء المستقبل

تقارير - منذ ساعتان

عين الجنوب || خاص:

بعد أن أصبح الجنوب بيد أبنائه، لم يعد الحديث عن التصالح والتسامح مجرد أمنية مؤجلة أو شعار عاطفي يُستدعى عند الأزمات، بل تحول إلى مسار وطني عميق تفرضه متطلبات المرحلة وحجم التحديات. إن السيطرة الجنوبية على قرارها السياسي والأمني أعادت للجنوب روحه، وفتحت الباب واسعًا أمام مراجعة شجاعة للماضي بكل ما فيه من أخطاء وصراعات، بهدف طي صفحاته المؤلمة والانطلاق نحو أفق جديد قوامه الوحدة الداخلية والشراكة المجتمعية.
لقد كان الماضي مثقلًا بالخلافات والانقسامات التي أرهقت المجتمع الجنوبي، وأضعفت قضيته العادلة، وسمحت لقوى خارجية بالتدخل والعبث بمصيره. ومع ذلك، لم يكن الجنوب يومًا عاجزًا عن النهوض، بل كان دائمًا قادرًا على استعادة توازنه متى ما امتلك قراره. واليوم، ومع تشكل واقع جديد تُدار فيه الأرض والإرادة بأيدٍ جنوبية، برزت الحاجة الملحة لإغلاق ملفات الماضي بروح مسؤولة، لا بروح انتقامية، وبعقل الدولة لا بعقل الصراع.
إن التصالح والتسامح الجنوبي في هذه المرحلة لا يعني إنكار ما حدث أو القفز على الحقائق، بل يعني الاعتراف المتبادل بالأخطاء، وتغليب المصلحة العامة على الحسابات الضيقة، وتحويل الألم إلى وعي سياسي واجتماعي يحصّن الأجيال القادمة من تكرار المآسي. فالمجتمعات التي لا تتصالح مع ذاتها تبقى أسيرة تاريخها، أما تلك التي تمتلك الشجاعة لتسامح نفسها أولًا، فإنها تفتح الطريق لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلًا.
التحولات التي يشهدها الجنوب اليوم كشفت بوضوح أن قوة أي مشروع وطني لا تقاس فقط بما يملكه من سلاح أو نفوذ، بل بمدى تماسك نسيجه الاجتماعي. ومن هنا، أصبح التصالح والتسامح حجر الزاوية في إعادة بناء الثقة بين أبناء الجنوب، وإعادة الاعتبار لقيم التعايش والاحترام المتبادل، بعيدًا عن ثقافة الإقصاء والتخوين التي أنهكت الجميع.
كما أن هذه المرحلة تمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة الهوية الجنوبية على أسس جامعة، تتسع لكل أبنائها دون استثناء، وتؤكد أن الجنوب ليس ملكًا لفئة أو منطقة أو تيار، بل وطنًا يتسع للجميع. فالدولة التي يحلم بها الجنوبيون لا يمكن أن تقوم على ذاكرة مثقلة بالضغائن، بل على عقد اجتماعي جديد يُنصف الجميع، ويصون الحقوق، ويؤسس لحكم رشيد يقوم على القانون والعدالة.
إن الجنوب وهو يطوي صفحة الماضي، يبعث برسالة واضحة إلى الداخل والخارج مفادها أن زمن الصراعات الداخلية قد انتهى، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة البناء والتأسيس، لا الهدم والتناحر. مرحلة تُقدّم فيها مصلحة الجنوب فوق كل الاعتبارات، ويُمنح فيها الإنسان الجنوبي حقه في الأمن والكرامة والمشاركة في صنع القرار.
بهذا المعنى، فإن التصالح والتسامح الجنوبي ليسا نهاية لمرحلة فقط، بل بداية لعهد جديد، يُعاد فيه بناء الثقة، وتُرمم فيه الجراح، ويُفتح فيه الطريق أمام مشروع وطني جامع، يستند إلى وحدة الصف، ووعي التجربة، وإرادة شعب قرر أخيرًا أن يصنع مستقبله بيديه، وأن يكتب تاريخه القادم بمداد الحكمة لا بدماء الخلافات.

فيديو