خطاب التخويف وفقدان البوصلة: كيف تكشف تصريحات نائب وزير الخارجية هشاشة الشرعية وارتهانها لخيارات عبثية

تقارير - منذ ساعتان

خاص || عين الجنوب:
في موجة جديدة من التصريحات المثيرة للجدل، خرج نائب وزير الخارجية اليمني بخطاب اتسم بالتخويف السياسي ومحاولة خلط الأوراق، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الجنوب ودور المجلس الانتقالي الجنوبي. تصريحات بدت بعيدة عن الواقع الميداني والسياسي الذي تشهده الساحة اليمنية اليوم، وأكثر تعبيراً عن أزمة عميقة في خطاب ما يُسمّى بالشرعية، لا عن حرص حقيقي على مستقبل البلاد أو استقرارها.
التلويح المتكرر بمخاطر “الانفصال” وتقديم الجنوب بوصفه تهديداً لوحدة اليمن يتجاهل حقيقة جوهرية، وهي أن هذه الوحدة لم تعد قائمة فعلياً منذ سنوات، ليس بفعل الحراك الجنوبي أو المجلس الانتقالي، بل نتيجة الانقلاب الحوثي، وانهيار مؤسسات الدولة، وفشل منظومة الحكم، وتفكك السلطة المركزية. وهي وقائع لم تقدّم الشرعية، ولا مسؤولوها، أي حلول جادة لمعالجتها، بل اكتفوا بخطاب إنشائي يُحمّل الجنوب مسؤولية الانهيار، في محاولة مكشوفة للهروب من الفشل المتراكم وإلقاء اللوم على الطرف الوحيد الذي نجح في فرض قدر من الاستقرار على الأرض.
والمفارقة اللافتة أن التحذير من “دويلات” أو استدعاء تجارب خارج السياق اليمني، يتناقض مع الواقع القائم في الجنوب، الذي يمتلك اليوم مقومات كيان سياسي متماسك: أرض مُدارة، ومؤسسات أمنية وعسكرية فاعلة، وإدارة محلية، وحاضنة شعبية واسعة تلتف حول مشروع سياسي واضح. في المقابل، ما تزال بقية الجغرافيا اليمنية غارقة في الصراعات والانقسامات، وتخضع في أجزاء واسعة منها لسيطرة الحوثي أو نفوذ قوى متنازعة، دون أفق حقيقي لاستعادة الدولة.
وتتجاهل هذه التصريحات عمداً حقيقة أن المجلس الانتقالي الجنوبي أصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية، وطرفاً معترفاً به في المشهد، وشريكاً مفروضاً في أي تسوية سياسية قادمة، سواء اعترفت بذلك بعض أطراف الشرعية أم حاولت إنكاره. فمحاولة الجمع بين خطاب الشراكة من جهة، وخطاب التخويف والتحريض من جهة أخرى، تكشف تناقضاً فاضحاً، إذ لا يمكن اعتبار طرف شريكاً ثم تصويره في الوقت نفسه كخطر وجودي.
الأخطر من ذلك، أن هذا الخطاب يعكس استعداداً ضمنياً لدى بعض رموز الشرعية للارتماء في أحضان الحوثي، أو على الأقل التلويح بتحالفات عبثية وسيناريوهات كارثية، نكاية بالجنوب ومشروعه السياسي. وهي دلالة واضحة على هشاشة المشهد داخل الشرعية، وانعدام الرؤية، واستعداد بعض مكوناتها للمغامرة بمستقبل البلاد، لا دفاعاً عن “الوحدة”، بل بدافع الكيد السياسي والعجز عن مواجهة الحقائق.
إن قضية الجنوب لم تعد ملفاً قابلاً للتجاهل أو الترحيل، بل هي نتاج تاريخ طويل من الإقصاء والتهميش والحروب، وليست نزوة سياسية عابرة. وأي حديث عن مستقبل اليمن دون الاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره يظل حديثاً معزولاً عن الواقع، ولن يقود إلا إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار. فبدلاً من التحريض على الجنوب، كان الأجدر بنائب وزير الخارجية أن يراجع أسباب انهيار الدولة، وعجز حكومته عن العودة إلى الداخل، وفشلها في تقديم نموذج حكم مقنع أو مشروع وطني جامع.
في المحصلة، تكشف هذه التصريحات حالة ارتباك سياسي وفقدان بوصلة داخل ما يُسمّى بالشرعية، وتؤكد اتساع الفجوة بين خطاب بعض مسؤوليها والواقع على الأرض. فالجنوب اليوم ليس عبئاً على الحل، بل يمثل مفتاحاً أساسياً للاستقرار، وأي محاولة لتشويه قضيته أو القفز عليها لن تغيّر من الحقائق شيئاً، بل ستُسرّع فقط من لحظة الحسم التي باتت أقرب من أي وقت مضى.

فيديو